( 7 ) ومنها ما رواه الشيخان من حديث مرفوعا " أبي موسى الأشعري ، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما ، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما " قالوا : إن الرداء هنا بمعنى الحجاب الذي ذكر آنفا ، وقد جعلوه من باب الاستعارة ولا إشكال في التعبير ، وإنما الحديث صريح في عدم رؤية الذات بدون حجاب ، وقال الحافظ ابن حجر في شرحه من الفتح نقلا عن الكرماني بعد عده من المتشابهات : ظاهره يقتضي أن رؤية الله غير واقعة ، وأجاب - أي : [ ص: 125 ] الكرماني - بأن مفهومه بيان قرب النظر ؛ إذ رداء الكبرياء لا يكون مانعا من الرؤية ، فعبر عن زوال المانع عن الأبصار بإزالة الرداء - وحاصله أن رداء الكبرياء مانع عن الرؤية ، فكأن في الكلام حذفا تقديره بعد قوله : " " فإنه يمن عليهم برفعه . . . إلى آخر ما قاله - وفيه من التكلف ما لا ينبغي لحفاظ السنة الاعتداد به ، وهم ينكرون على إلا رداء الكبرياء الجهمية والمعتزلة مثله ، وما هو أمثل منه من تأويلاتهم .
ثم إن الحافظ ابن حجر اعتمد في تأويل الحديث جعل رداء الكبرياء هنا عين الحجاب في حديث صهيب الذي أخرجه مسلم بعد حديث أبي موسى هذا ، وكأنه أراد تفسيره به - ورواه الترمذي وغيرهما أيضا وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - : والنسائي للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ( 10 : 26 ) وفيه أن أهل الجنة هؤلاء لم يكونوا يعلمون أنه - سبحانه - يرى بدون حجاب ، وأن رؤيته في الموقف وملاقاته كانت مع الحجاب ، كهذه الملاقاة في الجنة عند سؤالهم عما يطلبون من زيادة النعيم . إذا دخل أهل الجنة الجنة ، يقول الله - عز وجل - : تريدون شيئا أزيدكم ؟ فيقولون : ألم تبيض وجوهنا ؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار ؟ قال : فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم - عز وجل - وفي رواية زيادة : تلا
ولقائل أن يقول أيضا : إننا إذا قطعنا بأن المراد بهذا الحجاب رداء الكبرياء المذكور في الحديث الذي قبله ، وأنه كان المانع من النظر ، فلا يمكننا أن نقول إنه هو حجاب النور المانع من الرؤية في الأحاديث الأخرى ، والنظر غير الرؤية ، فيمكن أن يقال : إن رداء الكبرياء الذي كان مانعا من النظر يكشف فيقع النظر ، فيرى الناظرون النور الذي رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأخبر أنه كان المانع من رؤية الذات . وسيأتي تحرير هذا البحث .