[ ص: 140 ] ( 2 ) : الرؤية في العمل النومي
قد ثبت بالتجربة المكررة والرؤية البصرية أن بعض الناس يفعلون في حال النوم المعطل لجميع الحواس أعمالا دقيقة كالقراءة والكتابة وتركيب الأدوية بسرعة ومهارة يعجزون عن مثلها في اليقظة ، وقد كان يخرج أحدهم من منزله ثم يعود إليه وهو مغمض العينين ، وقد يفتحهما ولا يرى بهما إلا ما توجهت إرادته إليه ، كبعض الصيادلة الذي راقبه طبيب عرف حاله فرآه يقرأ وصفات الأطباء ويركب ما جاء فيها ، فألقى إليه فيها وصفة دواء سام يقتل شاربه في الحال ، فقرأها وأعاد التأمل فيها ، وقال : لا شك أن هذا غلط أو سبق قلم من الطبيب فأنا لا أركبه وألقاها ، وراقب بعضهم رجلا آخر كان يخبر أن نقوده تسرق من صندوقه الحديدي في كل ليلة ، فبات عنده فرآه قد قام من فراشه بعد استغراقه في النوم ، وفتح صندوقه وأخذ منه بعض النقود وخرج بها ، فتبعه حتى جاء مكانا خربا فتسلق جدارا من جدره المتداعية ، ومشى عليه بسرعة ثم نزل في داخله وحفر في الأرض حفرة ، ووضع فيها ما حمله من النقود ، وعاد فتسلق الجدار ، ومر عليه مسرعا والمراقب ينظر إليه ولا يستطيع أن يفعل فعله ، وعاد إلى منزله ، وأوى إلى فراشه ، فلما استيقظ في النهار عد الدراهم ، وأخبر الرجل الذي بات عنده ليكشف له حال من يسرق صندوقه بما نقص منها ، فحدثه هذا بما رآه فعجب وأنكره فذهبا إلى المكان فلم يستطع الرجل أن يتسلق الجدار ويمشي عليه مسرعا كما فعل وهو نائم ، ولكنهما تكلفا ذلك وتريثا فيه حتى وصلا إلى مكان طمر النقود ، وبحثا عنها فوجداها في عدة مواضع ، ورئي بعض غلمان أسرتنا مرارا يقوم من النوم ، ويخرج لحاجته ثم يعود وهو نائم ، ودخل المطبخ مرة فنظف بعض الآنية فيه ، وعاد إلى فراشه وهو نائم .
وربما كانت هذه الحالة مؤيدة لمذهب من قال : إن للإنسان نفسين أو روحين تفارقه إحداهما في حال النوم فقط وتفارقه الثنتان معا بالموت ، ويقرب هذا من قوله - تعالى - : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى ( 39 : 42 ) .