ثم بين تعالى كيف كان بدء إذلال اليهود بإزالة وحدتهم ، وتمزيق جامعتهم فقال : وقطعناهم في الأرض أمما أي وفرقناهم في الأرض حال كونهم أمما بالتقدير ، أو صيرناهم أمما متقطعة ، بعد أن كانوا أمة متحدة منهم الصالحون كالذين نهوا الذين اعتدوا في السبت عن ظلمهم ، والذين كانوا يؤمنون بأنبياء الله تعالى فيهم من بعد موسى إلى عهد عيسى عليهم السلام والذين آمنوا بمحمد خاتم النبيين ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومنهم دون ذلك ومنها ناس دون وصف الصلاح لم يبلغوه ، وهم درجات أو دركات ، منهم الغلاة في الكفر والفسق ، كالذين كانوا يقتلون النبيين بغير حق ومنهم السماعون للكذب الأكالون للسحت ، إلى غير ذلك مما هو شأن الأمم الفاسدة في كل عصر ، تفسد بالتدريج لا دفعة واحدة كما نراه في أمتنا الإسلامية .
وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون أي امتحناهم ، وبلونا سرائرهم واستعدادهم بالنعم التي تحسن ، وتقر بها الأعين ، وبالنقم التي تسوء صاحبها ، وربما حسنت بالصبر والإنابة عواقبها ، رجاء أن يرجعوا عن ذنبهم ، وينيبوا إلى ربهم ، فيعود برحمته وفضله عليهم .