[ ص: 507 ] إذ يغشيكم النعاس أمنة منه هذه منة أخرى من مننه تعالى على المؤمنين ، التي كانت من أسباب ظهورهم على المشركين ، وهي إلقاؤه تعالى النعاس عليهم حتى غشيهم - أي غلب عليهم فكان كالغاشية تستر الشيء وتغطيه - تأمينا لهم من الخوف الذي كان يساورهم من الفرق العظيم بينهم وبين عدوهم في العدد والعدد وغير ذلك . روى أبو يعلى والبيهقي في الدلائل علي كرم الله وجهه قال : " ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد ، ولقد رأيتنا وما فينا نائم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي تحت شجرة حتى أصبح " وذلك أن من غلب عليه النعاس لا يشعر بالخوف ، كما أن الخائف لا ينام ، ولكن قد ينعس ، والنعاس فتور في الحواس وأعصاب الرأس يعقبه النوم ، فهو يضعف الإدراك ولا يزيله كله فمتى زال كان نوما ، ولذلك قال بعضهم : هو أول النوم . وفي المصباح : وأول النوم النعاس وهو أن يحتاج الإنسان إلى النوم ، ثم الوسن وهو ثقل النعاس ، ثم الترنيق وهو مخالطة النعاس للعين ، ثم الكرى والغمض وهو أن يكون الإنسان بين النائم واليقظان ، ثم العفق وهو النوم ، وأنت تسمع كلام القوم ، ثم الهجود والهجوع اهـ . وهو يفيد أن الوسن والترنيق درجتان من درجات النعاس ، وأن الكرى مرتبة فاصلة بين النعاس والنوم ، وفي المصباح أيضا أن النعاس اسم مصدر لنعس من باب قتل ، والجمهور على أنه من باب فتح فهو من البابين ، وضعوا اسمه بوزن فعال بالضم ، كأنهم عدوه من الأمراض كالسعال والفواق والكباد . عن
وقال علي رضي الله عنه : إنهم ناموا يومئذ ، وظاهر عبارته أنهم ناموا في الليل ، والمتبادر أن نعاسهم كان في أثناء القتال ، وقد ذكرنا الخلاف في ذلك ، وتحقيق الحق فيه في تفسير قوله تعالى : ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة ( 3 : 154 ) وهو في سياق غزوة أحد . وقلت هنالك : قد تقدم في ملخص القصة ذكر هذا النعاس ، وأنه كان في أثناء القتال ، وإنما كان مانعا من الخوف; لأنه ضرب من الذهول والغفلة عن الخطر ، ولكن روي أن السيوف كانت تسقط من أيديهم . واختار الأستاذ الإمام أنه كان بعد القتال إلخ ، فيحسن مراجعته ففيه الكلام على النعاس يوم بدر أيضا وهو في [ ص152 ، 153 ج 4 تفسير ط الهيئة ] .
وقرأ الأكثرون ( يغشيكم ) بالتشديد من التغشية وهو إما للتدريج ، وإما للمبالغة في التغطية ، وقرأه نافع بالتخفيف من الإغشاء ، وقرأه ابن كثير وأبو عمرو ( يغشاكم ) من الثلاثي ورفع النعاس على أنه فاعل ، وهذا لا يخالف القراءتين قبله ، بل هو كالمطاوع لهما ، ومعنى الثلاثة أن الله تعالى جعل النعاس يغشاكم فغشيكم ، وأما صيغ الفعل ودلالة قراءة التشديد على التدريج أو المبالغة دون قراءة التخفيف فيحمل اختلافهما على اختلاف حال من غشيهم النعاس ، فهو لا يكون عادة إلا بالتدريج ، ويكون أشد على بعض الناس من بعض ، وقد ذكرنا بحث صيغة ( غ . ش . ي ) في اللغة في تفسير سورة الأعراف .