هذه المسألة مكررة في القرآن ، ومن الشواهد عليها هنا حكاية عن نوح قوله - تعالى - : - ويا قوم لا أسألكم عليه مالا إن أجري إلا على الله - 29 وتقدم عنه معناه في سورة يونس ، وسيأتي مثله في سورة الشعراء بلفظ الأجر ( ومنها ) عن هود : - ياقوم لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون - 51 ، وراجع مثل هذا عن الرسل في سورة الشعراء ( 26 : 109 و 127 و 145 و 164 و 180 ) .
وقد تكرر هذا عن نبينا - صلى الله عليه وسلم - في عدة سور : الأنعام ( 6 : 90 ) ويوسف ( 12 : 104 ) والشورى ( 42 : 23 ) ونص هذه الأخيرة بعد تبشير الذين آمنوا وعملوا الصالحات بروضات الجنات : - ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور - والاستثناء في هذه الآية منقطع ، والمعنى : لا أسألكم عليه أجرا البتة ، سنة الله في النبيين المرسلين ، ولكن أسألكم المودة في أولي القربى لكم وصلة أرحامكم ، وكانت هذه الوصية مما يحمدونه من هدي الإسلام لتعصبهم لأنسابهم ، ويفسرها قوله - تعالى - : - قل ما سألتكم من أجر فهو لكم إن أجري إلا على الله وهو على كل شيء شهيد - 34 ، 74 .
ولكن الشيعة جعلوا الاستثناء متصلا ، وفسروا المودة في القربي بمودة قرابته - صلى الله عليه وسلم - وخصوها بابن عمه علي وذريته عليهم السلام ، دون عمه العباس وذريته وسائر ذرية أعمامه ، واشتهر هذا التأويل الباطل في كتب التفسير والمناقب ودواوين الشعر ، وجعلوه عهدا من الله عاهد عليه المؤمنين كما قال شاعر العراق في عصره عبد الباقي العمري :
وعهد لا أسألكم عليه من أجر لمن به الولا قد وجبا
وهذا التأمل تحريف للقرآن وطعن شنيع على رسول الله وخاتم النبيين - صلى الله عليه وسلم - بإخراجه من سنة الله - تعالى - في جميع رسله بأنهم يبلغون رسالاته لوجهه الكريم ، [ ص: 175 ] لا يسألون عليه أجرا لأنفسهم ولا لأولي قرباهم ، وأنه هو الذي انفرد بطلب الأجر لأولي قرباه ، ( وحاشاه ) وهل يسعى جميع طلاب الدنيا إلا لذرياتهم ؟ وللتنزه عن هذه الشبهة حرم الله - تعالى - الصدقة على آل رسوله ، وهم بنو هاشم ومن كان يواليهم من بني المطلب دون إخوتهم من بني أمية وبني عبد شمس الذين كانوا يعادونهم ، وموالاة علي وآله واجبة لا خلاف فيها ، ولا حاجة إلى الاستدلال عليها بهذا التحريف للقرآن بباطل التأويل للآيات المحكمات اللاتي هن أم الكتاب .