nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=125nindex.php?page=treesubj&link=28975_31860واتخذ الله إبراهيم خليلا ، أي : اصطفاه لتوحيده وإقامة دينه في زمن وبلاد غلبت عليها الوثنية ، وقوم أفسد الشرك عقولهم ودنس فطرتهم ، فكان
إبراهيم خالصا مخلصا لله وبهذا المعنى سماه الله خليلا ، وإذا أراد الله أن يكرم عبدا من عباده أطلق عليه ما شاء ، وإلا فإن المعنى المتبادر من لفظ الخليل في استعمالنا له يتنزه الله عنه ، فإن الخلة بين الخليلين إنما تتحقق بشيء من المساواة بينهما ، وهي من مادة التخلل الذي هو بمعنى الامتزاج والاختلاط اهـ .
أقول : يطلق الخليل بمعنى الحبيب أو المحب لمن يحبه إذا كانت هذه المحبة خالصة من كل شائبة بحيث لم تدع في قلب صاحبها موضعا لحب آخر ، وهو من الخلة - بالضم - أي المحبة والمودة التي تتخلل النفس وتمازجها كما قال الشاعر :
قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليلا
والله يحب الأصفياء من عباده ويحبونه ، وقد كان
إبراهيم كامل الحب لله ; ولذلك عادى أباه وقومه وجميع الناس في حبه تعالى والإخلاص له ، وقيل : إن الخليل هنا مشتق من الخلة - بفتح الخاء - وهي الحاجة ; لأن
إبراهيم ما كان يشعر بحاجته إلى أحد غير الله عز وجل حتى قال في الحاجات العادية التي تكون بالتعاون بين الناس
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين ( 26 : 78 ، 79 ) ، والأول أظهر وأكمل ، والمراد بذكر هذه الخلة الإشارة إلى أعلى مراتب الإيمان التي كان عليها
إبراهيم ; ليتذكر
[ ص: 359 ] الذين يدعون اتباعه من اليهود
والنصارى والعرب ما كان عليه من الكمال ، وما هم عليه من النقص ; ولذلك ذكر أهل الأثر أن هذه الآية نزلت في سياق الرد على أولئك المتفاخرين بدينهم المتبجح كل منهم بأنه على ملة
إبراهيم ، والمعنى : أن
إبراهيم قد اتخذه الله خليلا بأن من عليه بسلامة الفطرة وقوة العقل وصفاء الروح وكمال المعرفة بالوحي والفناء في التوحيد ، فأين أنتم من ذلك ؟ ! ولا تكاد توجد كلمة في اللغة تمثل هذه المعاني غير كلمة الخليل ، وأما لوازم هذه الكلمة في استعمال البشر التي هي خاصة بهم فينزه الله عنها بأدلة العقل والنقل ، ثم قال عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=125nindex.php?page=treesubj&link=28975_31860وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ، أَيْ : اصْطَفَاهُ لِتَوْحِيدِهِ وَإِقَامَةِ دِينِهِ فِي زَمَنٍ وَبِلَادٍ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الْوَثَنِيَّةُ ، وَقَوْمٍ أَفْسَدَ الشِّرْكُ عُقُولَهُمْ وَدَنَّسَ فِطْرَتَهُمْ ، فَكَانَ
إِبْرَاهِيمُ خَالِصًا مُخْلِصًا لِلَّهِ وَبِهَذَا الْمَعْنَى سَمَّاهُ اللَّهُ خَلِيلًا ، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُكْرِمَ عَبْدًا مِنْ عِبَادِهِ أَطْلَقَ عَلَيْهِ مَا شَاءَ ، وَإِلَّا فَإِنَّ الْمَعْنَى الْمُتَبَادِرَ مِنْ لَفْظِ الْخَلِيلِ فِي اسْتِعْمَالِنَا لَهُ يَتَنَزَّهُ اللَّهُ عَنْهُ ، فَإِنَّ الْخُلَّةَ بَيْنَ الْخَلِيْلَيْنِ إِنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِشَيْءٍ مِنَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا ، وَهِيَ مِنْ مَادَّةِ التَّخَلُّلِ الَّذِي هُوَ بِمَعْنَى الِامْتِزَاجِ وَالِاخْتِلَاطِ اهـ .
أَقُولُ : يُطْلَقُ الْخَلِيلُ بِمَعْنَى الْحَبِيبِ أَوِ الْمُحِبِّ لِمَنْ يُحِبُّهُ إِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْمَحَبَّةُ خَالِصَةً مِنْ كُلِّ شَائِبَةٍ بِحَيْثُ لَمْ تَدَعْ فِي قَلْبِ صَاحِبِهَا مَوْضِعًا لِحُبٍّ آخَرَ ، وَهُوَ مِنَ الْخُلَّةِ - بِالضَّمِّ - أَيِ الْمَحَبَّةُ وَالْمَوَدَّةُ الَّتِي تَتَخَلَّلُ النَّفْسَ وَتُمَازِجُهَا كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
قَدْ تَخَلَّلْتَ مَسْلَكَ الرُّوحِ مِنِّي وَبِهِ سُمِّيَ الْخَلِيلُ خَلِيلًا
وَاللَّهُ يُحِبُّ الْأَصْفِيَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَيُحِبُّونَهُ ، وَقَدْ كَانَ
إِبْرَاهِيمُ كَامِلَ الْحُبِّ لِلَّهِ ; وَلِذَلِكَ عَادَى أَبَاهُ وَقَوْمَهُ وَجَمِيعَ النَّاسِ فِي حُبِّهِ تَعَالَى وَالْإِخْلَاصِ لَهُ ، وَقِيلَ : إِنَّ الْخَلِيلَ هُنَا مُشْتَقٌّ مِنَ الْخَلَّةِ - بِفَتْحِ الْخَاءِ - وَهِيَ الْحَاجَةُ ; لِأَنَّ
إِبْرَاهِيمَ مَا كَانَ يَشْعُرُ بِحَاجَتِهِ إِلَى أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى قَالَ فِي الْحَاجَاتِ الْعَادِيَّةِ الَّتِي تَكُونُ بِالتَّعَاوُنِ بَيْنَ النَّاسِ
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=78الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ( 26 : 78 ، 79 ) ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَكْمَلُ ، وَالْمُرَادُ بِذِكْرِ هَذِهِ الْخُلَّةِ الْإِشَارَةُ إِلَى أَعْلَى مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا
إِبْرَاهِيمُ ; لِيَتَذَكَّرَ
[ ص: 359 ] الَّذِينَ يَدَّعُونَ اتِّبَاعَهُ مِنَ الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى وَالْعَرَبِ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكَمَالِ ، وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ النَّقْصِ ; وَلِذَلِكَ ذَكَرَ أَهْلُ الْأَثَرِ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي سِيَاقِ الرَّدِّ عَلَى أُولَئِكَ الْمُتَفَاخِرِينَ بِدِينِهِمُ الْمُتَبَجِّحِ كُلٌّ مِنْهُمْ بِأَنَّهُ عَلَى مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ قَدِ اتَّخَذَهُ اللَّهُ خَلِيلًا بِأَنْ مَنَّ عَلَيْهِ بِسَلَامَةِ الْفِطْرَةِ وَقُوَّةِ الْعَقْلِ وَصَفَاءِ الرُّوحِ وَكَمَالِ الْمَعْرِفَةِ بِالْوَحْيِ وَالْفِنَاءِ فِي التَّوْحِيدِ ، فَأَيْنَ أَنْتُمْ مِنْ ذَلِكَ ؟ ! وَلَا تَكَادُ تُوجَدُ كَلِمَةٌ فِي اللُّغَةِ تُمَثِّلُ هَذِهِ الْمَعَانِي غَيْرُ كَلِمَةِ الْخَلِيلِ ، وَأَمَّا لَوَازِمُ هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي اسْتِعْمَالِ الْبَشَرِ الَّتِي هِيَ خَاصَّةٌ بِهِمْ فَيُنَزَّهُ اللَّهُ عَنْهَا بِأَدِلَّةِ الْعَقْلِ وَالنَّقْلِ ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ :