أقول : يطلق الخليل بمعنى الحبيب أو المحب لمن يحبه إذا كانت هذه المحبة خالصة من كل شائبة بحيث لم تدع في قلب صاحبها موضعا لحب آخر ، وهو من الخلة - بالضم - أي المحبة والمودة التي تتخلل النفس وتمازجها كما قال الشاعر :
قد تخللت مسلك الروح مني وبه سمي الخليل خليلا
والله يحب الأصفياء من عباده ويحبونه ، وقد كان إبراهيم كامل الحب لله ; ولذلك عادى أباه وقومه وجميع الناس في حبه تعالى والإخلاص له ، وقيل : إن الخليل هنا مشتق من الخلة - بفتح الخاء - وهي الحاجة ; لأن إبراهيم ما كان يشعر بحاجته إلى أحد غير الله عز وجل حتى قال في الحاجات العادية التي تكون بالتعاون بين الناس الذي خلقني فهو يهدين والذي هو يطعمني ويسقين ( 26 : 78 ، 79 ) ، والأول أظهر وأكمل ، والمراد بذكر هذه الخلة الإشارة إلى أعلى مراتب الإيمان التي كان عليها إبراهيم ; ليتذكر [ ص: 359 ] الذين يدعون اتباعه من اليهود والنصارى والعرب ما كان عليه من الكمال ، وما هم عليه من النقص ; ولذلك ذكر أهل الأثر أن هذه الآية نزلت في سياق الرد على أولئك المتفاخرين بدينهم المتبجح كل منهم بأنه على ملة إبراهيم ، والمعنى : أن إبراهيم قد اتخذه الله خليلا بأن من عليه بسلامة الفطرة وقوة العقل وصفاء الروح وكمال المعرفة بالوحي والفناء في التوحيد ، فأين أنتم من ذلك ؟ ! ولا تكاد توجد كلمة في اللغة تمثل هذه المعاني غير كلمة الخليل ، وأما لوازم هذه الكلمة في استعمال البشر التي هي خاصة بهم فينزه الله عنها بأدلة العقل والنقل ، ثم قال عز وجل :