وما قتلوه يقينا   أي وما قتلوا عيسى ابن مريم  قتلا يقينا ، أو متيقنين أنه هو بعينه ; لأنهم لم يكونوا يعرفونه حق المعرفة ، وهذه الأناجيل المعتمدة ، عند النصارى  ، تصرح بأن الذي أسلمه إلى الجند هو يهوذا الإسخريوطي  ، وأنه جعل لهم علامة : أن من قبله يكون هو يسوع المسيح  ، فلما قبله قبضوا عليه . وأما إنجيل برنابا  فيصرح بأن الجنود أخذوا يهوذا الإسخريوطي  نفسه ظنا أنه المسيح    ; لأنه ألقي عليه شبهه . فالذي لا خلاف فيه هو أن الجنود ما كانوا يعرفون شخص المسيح  معرفة يقينية . وقيل : إن الضمير في قوله تعالى : وما قتلوه يقينا  للعلم الذي نفاه عنهم ، والمعنى : ما لهم به من علم لكنهم يتبعون الظن ، وما قتلوا العلم يقينا وتثبيتا به . بل رضوا بتلك الظنون التي يتخبطون بها ، يقال : قتلت الشيء علما وخبرا ، كما في الأساس ، إذا أحطت به واستوليت عليه حتى لا ينازع ذهنك منه اضطراب ولا ارتياب . 
وروي عن  ابن عباس  أنه راجع إلى الظن الذي يتبعونه قال : ( لم يقتلوا ظنهم يقينا ) رواه  ابن جرير    ; أي أنهم يتبعون ظنا غير ممحص ، ولا موفى أسباب الترجيح والحكم التي توصل إلى العلم ، وقد اختلفت رواية المفسرين بالمأثور في هذه المسألة ; لأن عمدتهم فيها النقل عمن أسلم من اليهود  والنصارى  ، وهؤلاء كانوا مختلفين ما لهم به من علم يقيني . ولكن الروايات عنهم تشتمل على نحو ما عند النصارى  من مقدمات القصة ; كجمع المسيح  لحوارييه ( أو تلاميذه ) وخدمته إياهم ، وغسله لأرجلهم ، وقوله لبعضهم : إنه ينكره قبل صياح الديك ثلاث مرات . ومن بيعه بدلالة أعدائه عليه ، في مقابلة مال قليل ، وكون الدلالة عليه كانت بتقبيل الدال عليه . 
ولكن بعضهم قال : إن شبهه ألقي على من دلهم عليه ، وبعضهم قال : بل ألقي شبهه على جميع من كانوا معه ، وروى  ابن جرير  القولين عن  وهب بن منبه  ، والحاصل أن جميع روايات المسلمين متفقة على أن عيسى  ، عليه السلام ، نجا من أيدي مريدي قتله ، فقتلوا آخر ظانين أنه هو . 
				
						
						
