وأخذهم الربا وقد نهوا عنه أي وبسبب أخذهم الربا وقد نهوا عنه على ألسنة أنبيائهم ، ولكن التوراة التي بين أيديهم إنما تصرح بتحريم أخذهم الربا من شعبهم ، ومن إخوتهم دون الأجانب ; ففي سفر الخروج ( 22 : 35 إن أقرضت فضة لشعبي الفقير الذي عندك فلا تكن له كالمرابي . لا تضعوا عليه ربا ) وفي سفر اللاويين ( الأحبار ) ( 25 : 35 وإذا افتقر أخوك وقصرت يده عندك ، فاعضده غريبا أو مستوطنا فيعيش معك 36 لا تأخذ منه ربا ولا مرابحة . بل اخش إلهك فيعيش أخوك معك 37 فضتك لا تعطه بالربا ، وطعامك لا تعطه بالمرابحة ) وفي سفر تثنية الاشتراع ( 23 : 19 لا تقرض أخاك بربا ; ربا فضة ، أو ربا طعام ، أو ربا شيء ما مما يقرض بربا 20 للأجنبي تقرض بربا ، ولكن لأخيك لا تقرض بربا ) .
ونحن لا نسلم أن هذا هو نص التوراة التي كتبها موسى ، عليه السلام ; لأن نسخة موسى فقدت بإجماع اليهود والنصارى ، وهذه التي عندهم قد كتبت بعد السبي ، وثبت تحريفها بالشواهد الكثيرة ، والظاهر أن عبارة " للأجنبي تقرض بربا " قد أخذها الذي كتب التوراة - عزرا أو غيره - من مفهوم الأخ ; لأنه كتب ما حفظ منها بالمعنى . وهذا من مفهوم المخالفة الذي لا يحتج به جمهور علماء الأصول إذا كان مفهوم لقب . على أن بعض أنبيائهم قد أطلقوا ذم الربا ، والنهي عنه إطلاقا ، فلم يقيدوه بشعب إسرائيل ، ولا بإخوتهم ; كقول داود ، عليه السلام ، في المزمور الخامس عشر : وهو الرابع عشر ، في نسخة الجزويت : " وفضته لا يعطيها بالربا ولا يأخذ الرشوة من البريء " وكقول سليمان ، عليه السلام ، في سفر الأمثال : ( 28 : 8 المكثر ماله بالربا والمرابحة ، فلمن يرحم الفقراء يجمعه ) وقول حزقيال مما أوحاه إليه الرب في صفات البار : ( 18 : 7 بذل خبزه للجوعان ، وكسا العريان ثوبا ، ولم يعط بالربا ، [ ص: 52 ] ولم يأخذ مرابحة ) وشريعة هؤلاء الأنبياء هي التوراة فلا بد أن يكونوا أخذوا إطلاق تحريم الربا منها .