ولما كان مقتضى سنة الله في أولئك الكافرين الظالمين ، أنه لا يهديهم بكفرهم وظلمهم طريقا إلا طريق جهنم ، وعلم أنهم صائرون إليها ولا بد أن يصلوها ، قال : خالدين فيها أبدا أي يدخلونها ويذوقون عذابها حال كونهم خالدين فيها أبدا . قيل : إن لفظ أبدا ينفي أن يراد بالخلود طول المكث ، فيكون معنى العبارة الخلود الدائم الذي لا نهاية له ، والصواب : أن هذا معنى اصطلاحي لا لغوي ، أما معنى الخلود في اللغة فهو كما يؤخذ من مفردات الراغب : بقاء الشيء مدة طويلة على حال واحدة لا يطرأ عليه فيها تغير ولا فساد ، كقولهم للأثافي ( حجارة الموقد ) خوالد ، قال : ( وذلك لطول مكثها ، لا لدوام بقائها ) وفسر الخلد في " اللسان " بدوام البقاء في دار لا يخرج منها . والمراد بالسكنى الدائمة في العرف : ما يقابل السكنى المؤقتة المتحولة كسكنى البادية ، فالذين لهم بيوت في المدن يسكنونها يقال في اللغة : إنهم خالدون فيها ، قال في اللسان : وخلد بالمكان يخلد خلودا ، من باب نصر ، وأخلد : أقام ، وخلد - كضرب ونصر - خلدا وخلودا : أبطأ عنه الشيب . ومن كبر ولم يشب أو لم تسقط أسنانه يقال له المخلد ، وقال زهير :
لمن الديار غشيتها بالغرقد كالوحي في حجر المسيل المخلد
والأبد كما قال الراغب : " عبارة عن مدة الزمان الممتد الذي لا يتجزأ كما يتجزأ الزمان ، وتأبد الشيء : بقي أبدا ، ويعبر به عما يبقى مدة طويلة " وفي لسان العرب : " الأبد : الدهر . وفيه تساهل ، وقالوا في المثل : " طال الأبد على لبد " يضرب ذلك لكل ما قدم ، وقالوا : أبد بالمكان - من باب ضرب - أبودا : أقام به ولم يبرحه ، ولم يكن عندهم شيء بمعنى اللانهاية يدور في كلامهم .وكان ذلك على الله يسيرا أي : وكان ذلك الجزاء سهلا على الله دون غيره ; لأنه مقتضى حكمته وسنته ، ولا يستعصى على قدرته ، فعلى العاقل أن يتدبر ويتفكر ليعلم أنه لا ملجأ من الله ولا مفر ، ولكل نبأ مستقر .