( الثاني : ) والمراد به : المسفوح ، أي المائع الذي يسفح ويراق من الحيوان ، وإن جمد بعد ذلك ، بخلاف المتجمد في الطبيعة كالطحال والكبد ، وما يتخلل اللحم عادة فإنه لا يعد مسفوحا ، وحكمة تحريم الدم الضرر والاستقذار أيضا كما قيل في الميتة ، أما كونه خبثا [ ص: 112 ] مستقذرا عند الناس فظاهر ، وأما كونه ضارا ; فلأنه عسر الهضم جدا ويحمل كثيرا من المواد العفنة الميتة التي تنحل من الجسم ، وهي فضلات لفظتها الطبيعة كما تلفظ البراز ، واستعاضت عنها بمواد حية جديدة من الدم ، فالعود إلى التغذي بها يشبه التغذي بالرجيع ، وقد يكون في الدم جراثيم بعض الأمراض المعدية ، وهي تكون فيه أكثر مما تكون في اللحم ، وكذا اللبن الذي أعده الخالق الحكيم في أصل الطبيعة للتغذي به ، ومع هذا ترى الأطباء متفقين على وجوب غلي اللبن ; لأجل قتل ما عساه يوجد فيه من جراثيم الأمراض المعدية ، والدم لا يغلى كما يغلى اللبن ، بل يجمد بقليل من الحرارة ، وحينئذ تبقى جراثيم المرض فيه حية تؤثر في الجسم الذي تدخله . فإن قيل : إن المشهور عن الأطباء أن الدم مادة الحياة الحيوانية الفعالة في الصحة ; فإذا أمكن للإنسان أن يضيف دم غيره من الأحياء إلى دمه فالقياس أنه لا يزيده ذلك إلا صحة وقوة . الدم
فالجواب : أن هذا لا يؤخذ على إطلاقه ، ولم يثبت عند الأطباء أن شرب الدم المسفوح ، أو أكله بعد أن يجمد بنفسه أو بالطبخ ، مفيد للصحة والقوة ، ولا أنه يزيد الدم ; ولذلك لا يفعلونه ولا يأمرون الناس به ، ولا يقولون : إن معد الناس تقوى على هضمه والتغذي به بسهولة ، وإنما يتولد الدم مما يهضم من الطعام ، نعم يمكن أن يحقن ضعيف الدم بدم حيوان سليم ، فيزيده ذلك قوة ، وهذا غير محرم ، ولا مما نحن فيه .