المسح على كل ساتر كالجوربين والنعلين : قال في منتقى الأخبار : عن بلال قال : " " رواه رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يمسح على الموقين والخمار أحمد ، ولأبي داود : " كان يخرج فيقضي حاجته ، فآتيه بالماء فيتوضأ ويمسح على عمامته وموقيه في سننه ، عن ولسعيد بن منصور بلال قال : " " وعن سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : امسحوا على النصيف والموق : " المغيرة بن شعبة " رواه الخمسة ( أي : أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين أحمد وأصحاب السنن الأربعة ) إلا ، وصححه النسائي الترمذي . انتهى .
وقال شارحه : إن حديث بلال أخرجه الترمذي ، والطبراني والضياء أيضا . قال أبو داود : " ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وابن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد ، وروي ذلك عن وعمرو بن حريث عمر بن الخطاب ، وذكر روايات أخرى للحديث أعلوها ، ثم قال : وابن عباس
" والحديث بجميع رواياته يدل على جواز ، وهما ضرب من الخفاف ، قاله المسح على الموقين ابن سيده والأزهري ، وهو مقطوع الساقين ، قاله في الضياء ، وقال الجوهري : الموق : الذي يلبس فوق الخف ، قيل : وهو عربي ، وقيل : فارسي معرب ، وعلى جواز ، وعلى جواز المسح على العمامة ، وهو أيضا الخمار ، قاله في الضياء ، وعلى جواز المسح على النصيف ، وهو لفافة الرجل ، قاله في الضياء والقاموس ، وقد تقدم أنه الخف الكبير ، وقد قال بجواز المسح عليه من ذكرهم المسح على الجورب أبو داود من الصحابة . وزاد ابن سيد الناس في شرح الترمذي : عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص ، وقد ذكر في الباب الأول أن المسح على الخفين مجمع عليه بين الصحابة ، وعلى جواز وأبا مسعود البدري عقبة بن عمرو ، وقيل : إنما يجوز على النعلين إذا لبسهما فوق الجوربين ، قال المسح على النعلين : ولا يجوز مسح الجوربين إلا أن يكونا بنعلين يمكن متابعة المشي عليهما " انتهى . الشافعي
أقول : إنما اشترط بعضهم في المسح على النعلين أن يلبسا على الجوربين ; لأن نعالهم لم تكن [ ص: 199 ] تستر الرجلين ، ومتى كانت الرجل مكشوفة كلها أو أكثرها وجب مسحها ، وأما النعال المستعملة الآن ، التي تستر القدمين فلا يشترط أن تلبس على الجوارب على أنها تلبس عليها غالبا ، وقد علمت أن الجوارب هي التي يسميها عامة المصريين ( شرابات ) وعامة الشوام ( قلاشين ) وكل ما يستر الرجلين يمسح عليه لا عبرة بالأسماء والأجناس ، وما دام الساتر يلبس عادة يمسح عليه ، لا يمنع من ذلك حدوث الخروق فيه ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه كانوا يمسحون في الأسفار الطويلة ; كسفر غزوة تبوك ، ولا يعقل أن تخلو خفافهم من الخروق ، ولم ينقل أن أحدا نهي عن المسح على خف فيه خروق ، ولو وقع ذلك لتوافرت الدواعي على نقله ، ولكن بعض الفقهاء الذين كانوا يعيشون في حواضر الأمصار ذات السعة واليسار ; كبغداد ومصر والمدينة المنورة شددوا في كثير من الأحكام بالرأي والقياس .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له : " ( أحدهما ) أن يكون ساترا لمحل الفرض ، وقد تبين ضعف هذا الشرط ( أي : من كلام له في أول الفتوى بين أنه مخالف لإطلاق النصوص في المسح ، وللمعلوم بالضرورة من حال الصحابة وهو ما أشرنا إليه آنفا وللقياس ) . ( والثاني ) أن يكون الخف يثبت بنفسه ، وقد اشترط ذلك والمسح على الخفين قد اشترط فيه طائفة من الفقهاء شرطين ومن وافقه من أصحاب الشافعي أحمد ، فلو لم يثبت إلا بشده بشيء يسير أو خيط متصل به أو منفصل عنه ونحو ذلك ، لم يمسح ، وإن ثبت بنفسه ، لكنه لا يستر جميع المحل إلا بالشد ( كالزربول ) الطويل المشقوق يثبت بنفسه ، لكن لا يستر إلى الكعبين إلا بالشد ، ففيه وجهان ، أصحهما أنه يمسح عليه ، وهذا الشرط لا أصل له في كلام أحمد ، بل المنصوص عنه في غير موضع أنه يجوز المسح على الجوربين ، وإن ، وأنه يمسح على الجوربين ما لم يخلع النعلين ( أي : ولا يشترط هذا في الجوربين اللذين يثبتان بأنفسهما كالجوارب المستعملة في هذا العصر ) " . لم يثبتا بأنفسهما بل بنعلين تحتهما
" فإذا كان أحمد لا يشترط في الجوربين أن يثبتا بأنفسهما ، بل إذا ثبتا بالنعلين جاز المسح عليهما ، فغيرهما بطريق الأولى ، وهنا قد ثبتا بالنعلين وهما منفصلان عن الجوربين ; فالزربول الذي لا يثبت إلا بسير يشده به ، متصلا به أو منفصلا عنه ، أولى بالمسح عليه من الجوربين . وهكذا ما يلبس على الرجل من فرو وقطن وغيرهما ، إذا ثبت ذلك بشدهما بخيط متصل أو منفصل مسح عليهما بطريق الأولى .
فإن قيل : فيلزم من ذلك ، وهو أن يلف على الرجل لفائف من البرد أو خوف الحفاء أو من جراح بهما ، ونحو ذلك ، قيل : في هذا وجهان ، ذكرهما المسح على اللفائف الحلواني ، والصواب أنه يمسح على اللفائف ، وهي بالمسح أولى من الخف والجورب ، فإن اللفائف [ ص: 200 ] إنما تستعمل للحاجة في العادة ، وفي نزعها ضرر ; إما إصابة البرد وإما التأذي بالحفاء وإما التأذي بالجرح . فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين فعلى اللفائف بطريق الأولى ، ومن ادعى في شيء من ذلك إجماعا فليس معه إلا عدم العلم ، ولا يمكنه أن ينقل المنع عن عشرة من العلماء المشهورين ، فضلا عن الإجماع . والنزاع في ذلك معروف في مذهب أحمد وغيره .