: ( الفائدة الأولى ) : أن يتفق على المواظبة عليها كل مذعن لهذا الدين ; من حضري وبدوي ، وذكي وغبي ، وفقير وغني ، وكبير وصغير ، وأمير ومأمور ، وعالم بحكمتها وجاهل لمنفعتها حتى لا تختلف فيها الآراء ، ولا تحول دون العمل بها الأهواء ، كما هو شأن البشر في جميع ما يستقلون فيه من الأشياء . الفوائد الدينية للطهارة الحسية
( الفائدة الثانية ) : أن تكون من المذكرات لهم بفضل الله ونعمته عليهم ؛ حيث شرع لهم ما ينفعهم ويدرأ الضرر عنهم ، فإذا تذكروا أنه يرضيه عنهم أن تكون أجسادهم على أكمل حال من النظافة والطهارة ، ويتذكرون أن أهم ما فرض عليهم لأجله تطهير أجسادهم هو أنه من وسائل تزكية أنفسهم وتطهير قلوبهم وتهذيب أخلاقهم التي يترتب عليها صلاح أعمالهم ; لأنه تعالى ينظر نظر الرضاء والرحمة إلى القلوب والأعمال ، لا إلى الصور والأبدان ، فيعنون بالجمع بين الأمرين ؛ توسلا بهما إلى سعادة الدارين ، كما هو مقتضى الإسلام ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) ( 2 : 201 ) .
( الفائدة الثالثة ) : أن مجرد ملاحظة المؤمن امتثال أمر الله تعالى بالعمل ، وابتغاء مرضاته بالإتيان به على الوجه الذي شرعه ، مما يغذي الإيمان به ، ويطبع في النفس ملكة المراقبة له ، فيكون له عند كل طهارة بهذه النية والملاحظة ، التي شرحنا معناها في بحث نية الوضوء ، جذبة إلى حظيرة الكمال المطلق ، تتزكى بها نفسه ، وتعلو بها همته ، وتتقدس بها روحه ، فيصلح بذلك عمله ، وقس على هذه العبادة سائر العبادات ; لهذا كان لأولئك المصطفين الأخيار ، من صحابة النبي المختار ، تلك الأعمال والآثار ، والعدل والرحمة [ ص: 222 ] والإيثار ، التي لم يعهد البشر مثلها في عصر من الأعصار ، وهذا مما يتجلى به قول جمهور العلماء بوجوب النية للوضوء والغسل ، وضعف قول من ذهب إلى عدم وجوبها .
( الفائدة الرابعة ) : اتفاق المؤمنين على أداء هذه الطهارات بكيفية واحدة ، وأسباب واحدة أينما كانوا ومهما كثروا وتفرقوا ، وأن اتفاق أفراد الأمة في الأعمال من أسباب الاتفاق في القلوب ; فكلما كثر ما تتفق به كان اتحادها أقوى ، كما بيناه في موضع آخر .
ثم نقول ( سادسا ) : إن ما احتجوا به من تقصير كثير من المسلمين في الطهارة العامة ، لا حجة فيه ، نعم إنهم صاروا يقصرون في النظافة ، ويعدون الطهارة أمرا تعبديا ، لا ينافي القذارة ، ويرون أنه يمكن أن يكون الإنسان طاهرا ، وإن كان كالجيفة في وسخه ونتنه ، وأن يكون نظيفا تام النظافة ، وهو غير طاهر ، ويعدون كثيرا من الطيب والمائعات المطهرة نجسة ; كالكحول ، وأنواع الطيب التي يدخل فيها . ونحن نقول : إن الدين الإسلامي حجة على أمثال هؤلاء ، وليسوا حجة عليه ، إلا عند من يجهل حقيقته ويتلقاه عنهم ، لا عن كتابه المنزل ، وسنة نبيه المرسل صلى الله عليه وسلم . وأكثر هؤلاء المتفرنجين المعترضين يجهلون حقيقته ، ومنهم من لا يعرف من أصوله ولا من فروعه شيئا ، إلا ما يسمعه ويراه من هؤلاء العوام ، ولا سيما المعممين منهم ، بل يعدون من الإسلام ما يسمعونه من بعض أعدائه ، ويقرءونه في صحفهم وكتبهم التي ينشرها دعاة النصرانية ، ونحوها ما يكتبه رجال السياسة ; لأنهم يتبعون فيه الهوى ، فكل من هذين الفريقين ينظر إلى كتب الإسلام ، وإلى حال المسلمين بعين السخط ، ملتمسا منها ما يمكن له أن يعيبه وينفر منه ; فهو لا يطلب حقيقته ، ولذلك لا يدركها ، ولا يقول ما ظهر له منها على وجهه ، بل يحرف الكلم عن مواضعه .
وجملة القول في : أنها هي المبالغة في النظافة من غير تنطع ، ولا وسوسة ، وقد اتفق العلماء على أنها من العبادات المعقولة المعنى ، حتى قال بعضهم : لا تجب في الوضوء النية ولا الترتيب الذي ثبت في الكتاب والسنة والعمل المطرد . وقد أوجب الإسلام طهارة البدن والثوب والمكان ، كما أوجب غسل الأطراف التي يعرض لها الوسخ كل يوم بأسباب من شأنها أن تتكرر كل يوم ، وغسل جميع البدن بأسباب من شأنها أن تتكرر كل عدة أيام ، وأكد غسل الجمعة والعيدين ، وحث على السواك والطيب ، وقد اشتهر امتياز الإسلام بالنظافة على جميع الأديان ، حتى صار هذا معروفا له عند غير أهله ، وسمعت كثيرين من أدباء الطهارة النصارى يذكرون هذه المزية للإسلام ، ويعللونها بأن العرب [ ص: 223 ] كانت قليلة العناية بالنظافة ; لقلة الماء في بلادها ، ولقرب أهل الحضر منها من البدو في قلة التأنق والترف .