ولما بين الله تعالى نقض
اليهود لميثاقهم ، وما كان من أمرهم ، أعقبه ببيان حال
النصارى في ذلك ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=28976_32429ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به ) أي وكذلك أخذنا ميثاق الذين سموا أنفسهم
نصارى من
أهل الكتاب الأول ، وهم الذين قالوا : إنهم اتبعوا
المسيح ونصروه ، وقد صاروا طائفة مستقلة مؤلفة من
الإسرائيليين وغيرهم ، فنقضوا ميثاقهم ، ونسوا حظا ونصيبا مما ذكروا به على لسان المسيح
عيسى ابن مريم ، كما فعل الذين من قبلهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=14فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) الفاء للسببية ; أي فكان نسيان حظ عظيم من كتابهم سببا لوقوعهم في الأهواء والتفرق في الدين الموجب بمقتضى سنتنا في البشر للعداوة والبغضاء . والإغراء : التحريش ، وإسناده إلى الله تعالى مع كونه من أعمالهم الاختيارية سببا ومسببا ; لأنه من مقتضى سننه في خلقه . فهذا جزاؤهم في الدنيا (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=14وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون ) عندما يحاسبهم في الآخرة ، ينبئهم بحقيقة ضلالهم ، ويجازيهم عليه بعد ذلك ; ليعلموا أنه حكم عدل ، لا يظلم مثقال ذرة .
[ ص: 238 ] بين الله لنا أن
النصارى نسوا حظا مما ذكروا به
كاليهود ، وسبب ذلك أن
المسيح عليه السلام لم يكتب ما ذكرهم به من المواعظ وتوحيد الله وتمجيده والإرشاد لعبادته ، وكان من اتبعوه من العوام ، وأمثلهم حواريوه وهم من الصيادين ، وقد اشتد
اليهود في عداوتهم ومطاردتهم ، فلم تكن لهم هيئة اجتماعية ذات قوة وعلم تدون ما حفظوه من إنجيل
المسيح وتحفظه ، ويظهر من تاريخهم وكتبهم المقدسة أن كثيرا من الناس كانوا يبثون بين الناس في عصرهم تعاليم باطلة عن
المسيح ، ومنهم من كتب في ذلك ، حتى إن الذين كتبوا كتبا سموها الأناجيل كثيرون جدا ، كما صرحوا به في كتبهم المقدسة وتواريخ الكنيسة ، وما ظهرت هذه الأناجيل الأربعة المعتمدة عندهم الآن إلا بعد ثلاثة قرون من تاريخ
المسيح عندما صار
للنصارى دولة بدخول الملك
قسطنطين في النصرانية ، وإدخاله إياها في طور جديد من الوثنية . وهذه الأناجيل عبارة عن تاريخ ناقص للمسيح ، وهي متعارضة متناقضة مجهولة الأصل والتاريخ ، بل وقع الخلاف بينهم في مؤلفيها واللغات التي ألفوها بها ، وقد بينا في تفسير أول سورة " آل عمران " حقيقة إنجيل
المسيح ، وكون هذه الكتب لم تحو إلا قليلا منه ، كما تحتوي السيرة النبوية عندنا على القليل من القرآن والحديث ، وهذا القليل من الإنجيل قد دخله التناقض والتحريف .
وقد أورد الشيخ
رحمة الله الهندي في كتابه ( إظهار الحق ) المشهور ، مائة شاهد من
nindex.php?page=treesubj&link=32428_29434الكتب المقدسة عند اليهود والنصارى ، على التحريف اللفظي والمعنوي فيها ، نقلت بعضها على سبيل النموذج في تفسير آية النساء ( 4 : 46 ) ومنها ما عجز مفسرو التوراة عن تمحل الجواب عنه ، وجزموا بأنه ليس مما كتبه
موسى عليه السلام ، فراجعه في ( ص 113 وما بعدها من جزء التفسير الخامس ، ط الهيئة ) . والظاهر أن التنكير في قوله " نصيبا وحظا " للتعظيم ; أي أن ما نسوه وأضاعوه منه كثير ، وما أوتوه وحفظوه كثير أيضا ، فلو كانوا يعملون به ما فسدت حالهم ، ولا عظم خزيهم ونكالهم . وهذا هو المعقول في حال عدم حفظ الأصل بنصه في الصدور والسطور ، ونحن نجزم بأننا نسينا وأضعنا من حديث نبينا صلى الله عليه وسلم حظا عظيما ; لعدم كتابة علماء الصحابة كل ما سمعوه ، ولكنه ليس منه ما هو بيان للقرآن أو من أمور الدين ، فإن جميع أمور الدين مودعة في القرآن ومبينة في السنة العملية ، وما دون من الحديث مزيد هداية وبيان .
هذا ، وإن
nindex.php?page=treesubj&link=31575العرب كانت أمة حفظ ، ودونوا الحديث في العصر الأول ، وعنوا بحفظه وضبط متونه وأسانيده عناية شاركهم فيها كل من دخل في الإسلام ، ولم يتفق مثل ذلك لغير المسلمين من المتقدمين والمتأخرين .
[ ص: 239 ] لسنا في حاجة إلى تفصيل القول في ضياع حظ عظيم من كتب
اليهود ، وفي وقوع التحريف اللفظي والمعنوي فيما عندهم منها ، وفي إيراد الشواهد من هذه الكتب ، ومن التاريخ الديني عند
أهل الكتاب على ذلك ; لأنه ليس بيننا وبين
اليهود مناظرات دينية تقتضي ذلك ، ولولا أن
النصارى أقاموا بناء دينهم وكتبهم التي يسمونها ( العهد الجديد ) على أساس كتب
اليهود التي يسمونها ( العهد العتيق ) لما زدنا في الكلام عن كتب
اليهود على ما نثبت به ما وصفها به القرآن العزيز بالإجمال ، وإنما الحاجة تدفعنا إلى بعض التفصيل في إثبات نسيان
النصارى وإضاعتهم حظا عظيما مما جاء به
المسيح عليه السلام ، وتحريف الكتب التي في أيديهم ; لأنهم أسرفوا في التعدي على الإسلام والطعن فيه ، فكان مثلهم كمثل من بنى بيتا من الزجاج على شفا جرف من الرمل ، وحاول أن ينصب فيه المدافع ; ليهدم حصنا حصينا مبنيا على جبل راسخ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين ) ( 9 : 109 ) .
وقد قامت مجلتنا - المنار - بما يجب من هذا البيان ، ودفع ما بدأ به دعاة النصرانية من الظلم والعدوان ، وسبق في التفسير قليل من كثير مما نشر في المنار ، ونذكر هنا بعض المسائل في ذلك بالإيجاز :
وَلَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى نَقْضَ
الْيَهُودِ لِمِيثَاقِهِمْ ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِمْ ، أَعْقَبَهُ بِبَيَانِ حَالِ
النَّصَارَى فِي ذَلِكَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=14nindex.php?page=treesubj&link=28976_32429وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ) أَيْ وَكَذَلِكَ أَخَذْنَا مِيثَاقَ الَّذِينَ سَمَّوْا أَنْفُسَهُمْ
نَصَارَى مِنْ
أَهْلِ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ ، وَهُمُ الَّذِينَ قَالُوا : إِنَّهُمُ اتَّبَعُوا
الْمَسِيحَ وَنَصَرُوهُ ، وَقَدْ صَارُوا طَائِفَةً مُسْتَقِلَّةً مُؤَلَّفَةً مِنَ
الْإِسْرَائِيلِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ ، فَنَقَضُوا مِيثَاقَهُمْ ، وَنَسُوا حَظًّا وَنَصِيبًا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ عَلَى لِسَانِ الْمَسِيحِ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، كَمَا فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=14فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) الْفَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ; أَيْ فَكَانَ نِسْيَانُ حَظٍّ عَظِيمٍ مِنْ كِتَابِهِمْ سَبَبًا لِوُقُوعِهِمْ فِي الْأَهْوَاءِ وَالتَّفَرُّقِ فِي الدِّينِ الْمُوجِبِ بِمُقْتَضَى سُنَّتِنَا فِي الْبَشَرِ لِلْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ . وَالْإِغْرَاءُ : التَّحْرِيشُ ، وَإِسْنَادُهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ كَوْنِهِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ الِاخْتِيَارِيَّةِ سَبَبًا وَمُسَبَّبًا ; لِأَنَّهُ مِنْ مُقْتَضَى سُنَنِهِ فِي خَلْقِهِ . فَهَذَا جَزَاؤُهُمْ فِي الدُّنْيَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=14وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) عِنْدَمَا يُحَاسِبُهُمْ فِي الْآخِرَةِ ، يُنَبِّئُهُمُ بِحَقِيقَةِ ضَلَالِهِمْ ، وَيُجَازِيهِمْ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ ; لِيَعْلَمُوا أَنَّهُ حَكَمٌ عَدْلٌ ، لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ .
[ ص: 238 ] بَيَّنَ اللَّهُ لَنَا أَنَّ
النَّصَارَى نَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ
كَالْيَهُودِ ، وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ
الْمَسِيحَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَكْتُبْ مَا ذَكَّرَهُمْ بِهِ مِنَ الْمَوَاعِظِ وَتَوْحِيدِ اللَّهِ وَتَمْجِيدِهِ وَالْإِرْشَادِ لِعِبَادَتِهِ ، وَكَانَ مَنِ اتَّبَعُوهُ مِنَ الْعَوَامِّ ، وَأَمْثَلُهُمْ حَوَارِيِّوهُ وَهُمْ مِنَ الصَّيَّادِينَ ، وَقَدِ اشْتَدَّ
الْيَهُودُ فِي عَدَاوَتِهِمْ وَمُطَارَدَتِهِمْ ، فَلَمْ تَكُنْ لَهُمْ هَيْئَةٌ اجْتِمَاعِيَّةٌ ذَاتُ قُوَّةٍ وَعِلْمٍ تُدَوِّنُ مَا حَفِظُوهُ مِنْ إِنْجِيلِ
الْمَسِيحِ وَتَحْفَظُهُ ، وَيَظْهَرُ مِنْ تَارِيخِهِمْ وَكُتُبِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ كَانُوا يَبُثُّونَ بَيْنَ النَّاسِ فِي عَصْرِهِمْ تَعَالِيمَ بَاطِلَةً عَنِ
الْمَسِيحِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَتَبَ فِي ذَلِكَ ، حَتَّى إِنَّ الَّذِينَ كَتَبُوا كُتُبًا سَمَّوْهَا الْأَنَاجِيلَ كَثِيرُونَ جِدًّا ، كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي كُتُبِهِمُ الْمُقَدَّسَةِ وَتَوَارِيخِ الْكَنِيسَةِ ، وَمَا ظَهَرَتْ هَذِهِ الْأَنَاجِيلُ الْأَرْبَعَةُ الْمُعْتَمَدَةُ عِنْدَهُمُ الْآنَ إِلَّا بَعْدَ ثَلَاثَةِ قُرُونٍ مِنْ تَارِيخِ
الْمَسِيحِ عِنْدَمَا صَارَ
لِلنَّصَارَى دَوْلَةٌ بِدُخُولِ الْمَلِكِ
قُسْطَنْطِينَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ ، وَإِدْخَالِهِ إِيَّاهَا فِي طَوْرٍ جَدِيدٍ مِنَ الْوَثَنِيَّةِ . وَهَذِهِ الْأَنَاجِيلُ عِبَارَةٌ عَنْ تَارِيخٍ نَاقِصٍ لِلْمَسِيحِ ، وَهِيَ مُتَعَارِضَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ مَجْهُولَةُ الْأَصْلِ وَالتَّارِيخِ ، بَلْ وَقَعَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي مُؤَلِّفِيهَا وَاللُّغَاتِ الَّتِي أَلَّفُوهَا بِهَا ، وَقَدْ بَيَّنَّا فِي تَفْسِيرِ أَوَّلِ سُورَةِ " آلِ عِمْرَانَ " حَقِيقَةَ إِنْجِيلِ
الْمَسِيحِ ، وَكَوْنَ هَذِهِ الْكُتُبِ لَمْ تَحْوِ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُ ، كَمَا تَحْتَوِي السِّيرَةُ النَّبَوِيَّةُ عِنْدَنَا عَلَى الْقَلِيلِ مِنَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ ، وَهَذَا الْقَلِيلُ مِنَ الْإِنْجِيلِ قَدْ دَخَلَهُ التَّنَاقُضُ وَالتَّحْرِيفُ .
وَقَدْ أَوْرَدَ الشَّيْخُ
رَحْمَةُ اللَّهِ الْهِنْدِيُّ فِي كِتَابِهِ ( إِظْهَارِ الْحَقِّ ) الْمَشْهُورِ ، مِائَةَ شَاهِدٍ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=32428_29434الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ عِنْدَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، عَلَى التَّحْرِيفِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ فِيهَا ، نَقَلْتُ بَعْضَهَا عَلَى سَبِيلِ النَّمُوذَجِ فِي تَفْسِيرِ آيَةِ النِّسَاءِ ( 4 : 46 ) وَمِنْهَا مَا عَجَزَ مُفَسِّرُو التَّوْرَاةِ عَنْ تَمَحُّلِ الْجَوَابِ عَنْهُ ، وَجَزَمُوا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا كَتَبَهُ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَرَاجِعْهُ فِي ( ص 113 وَمَا بَعْدَهَا مِنْ جُزْءِ التَّفْسِيرِ الْخَامِسِ ، ط الْهَيْئَةِ ) . وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّنْكِيرَ فِي قَوْلِهِ " نَصِيبًا وَحَظًّا " لِلتَّعْظِيمِ ; أَيْ أَنَّ مَا نَسُوهُ وَأَضَاعُوهُ مِنْهُ كَثِيرٌ ، وَمَا أُوتُوهُ وَحَفِظُوهُ كَثِيرٌ أَيْضًا ، فَلَوْ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ مَا فَسَدَتْ حَالُهُمْ ، وَلَا عَظُمَ خِزْيُهُمْ وَنَكَالُهُمْ . وَهَذَا هُوَ الْمَعْقُولُ فِي حَالِ عَدَمِ حِفْظِ الْأَصْلِ بِنَصِّهِ فِي الصُّدُورِ وَالسُّطُورِ ، وَنَحْنُ نَجْزِمُ بِأَنَّنَا نَسِينَا وَأَضَعْنَا مِنْ حَدِيثِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَظًّا عَظِيمًا ; لِعَدَمِ كِتَابَةِ عُلَمَاءِ الصَّحَابَةِ كُلَّ مَا سَمِعُوهُ ، وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ مَا هُوَ بَيَانٌ لِلْقُرْآنِ أَوْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ ، فَإِنَّ جَمِيعَ أُمُورِ الدِّينِ مُودَعَةٌ فِي الْقُرْآنِ وَمُبَيَّنَةٌ فِي السُّنَّةِ الْعَمَلِيَّةِ ، وَمَا دُوِّنَ مِنَ الْحَدِيثِ مَزِيدُ هِدَايَةٍ وَبَيَانٍ .
هَذَا ، وَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=31575الْعَرَبَ كَانَتْ أُمَّةَ حِفْظٍ ، وَدَوَّنُوا الْحَدِيثَ فِي الْعَصْرِ الْأَوَّلِ ، وَعُنُوا بِحِفْظِهِ وَضَبْطِ مُتُونِهِ وَأَسَانِيدِهِ عِنَايَةً شَارَكَهُمْ فِيهَا كُلُّ مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ ، وَلَمْ يَتَّفِقْ مِثْلُ ذَلِكَ لِغَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ .
[ ص: 239 ] لَسْنَا فِي حَاجَةٍ إِلَى تَفْصِيلِ الْقَوْلِ فِي ضَيَاعِ حَظٍّ عَظِيمٍ مِنْ كُتُبِ
الْيَهُودِ ، وَفِي وُقُوعِ التَّحْرِيفِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ فِيمَا عِنْدَهُمْ مِنْهَا ، وَفِي إِيرَادِ الشَّوَاهِدِ مِنْ هَذِهِ الْكُتُبِ ، وَمِنَ التَّارِيخِ الدِّينِيِّ عِنْدَ
أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ
الْيَهُودِ مُنَاظَرَاتٌ دِينِيَّةٌ تَقْتَضِي ذَلِكَ ، وَلَوْلَا أَنَّ
النَّصَارَى أَقَامُوا بِنَاءَ دِينِهِمْ وَكُتُبِهِمُ الَّتِي يُسَمُّونَهَا ( الْعَهْدَ الْجَدِيدَ ) عَلَى أَسَاسِ كُتُبِ
الْيَهُودِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا ( الْعَهْدَ الْعَتِيقَ ) لَمَا زِدْنَا فِي الْكَلَامِ عَنْ كُتُبِ
الْيَهُودِ عَلَى مَا نُثْبِتُ بِهِ مَا وَصَفَهَا بِهِ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ بِالْإِجْمَالِ ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ تَدْفَعُنَا إِلَى بَعْضِ التَّفْصِيلِ فِي إِثْبَاتِ نِسْيَانِ
النَّصَارَى وَإِضَاعَتِهِمْ حَظًّا عَظِيمًا مِمَّا جَاءَ بِهِ
الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَتَحْرِيفِ الْكُتُبِ الَّتِي فِي أَيْدِيهِمْ ; لِأَنَّهُمْ أَسْرَفُوا فِي التَّعَدِّي عَلَى الْإِسْلَامِ وَالطَّعْنِ فِيهِ ، فَكَانَ مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ مَنْ بَنَى بَيْتًا مِنَ الزُّجَاجِ عَلَى شَفَا جُرُفٍ مِنَ الرَّمْلِ ، وَحَاوَلَ أَنْ يَنْصِبَ فِيهِ الْمَدَافِعَ ; لِيَهْدِمَ حِصْنًا حَصِينًا مَبْنِيًّا عَلَى جَبَلٍ رَاسِخٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=109أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ( 9 : 109 ) .
وَقَدْ قَامَتْ مَجَلَّتُنَا - الْمَنَارُ - بِمَا يَجِبُ مِنْ هَذَا الْبَيَانِ ، وَدَفْعِ مَا بَدَأَ بِهِ دُعَاةُ النَّصْرَانِيَّةِ مِنَ الظُّلْمِ وَالْعُدْوَانِ ، وَسَبَقَ فِي التَّفْسِيرِ قَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا نُشِرَ فِي الْمَنَارِ ، وَنَذْكُرُ هُنَا بَعْضَ الْمَسَائِلِ فِي ذَلِكَ بِالْإِيجَازِ :