[ ص: 315 ] وقد اختلف العلماء في ، فروي عن القدر الذي يوجب الحد من السرقة الحسن البصري ، أنه يثبت القطع بالقليل والكثير ; عملا بإطلاق الآية وحديث " وداود الظاهري " رواه الشيخان من طريق لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ، ويسرق الحبل فتقطع يده عن الأعمش ، وعليه أبي هريرة الخوارج . وذهب جمهور السلف والخلف ، ومنهم الخلفاء الأربعة ، إلى أن القطع لا يكون إلا في سرقة ربع دينار ( أي ربع مثقال من الذهب ) أو ثلاثة دراهم من الفضة ، جعل ربع الدينار هو الأصل في تقويم الأشياء المسروقة ; لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها ، وروي عن والشافعي مالك أن كلا من الذهب والفضة أصل معتبر في نفسه ، وفي رواية أخرى - قيل إنها المشهور عنه - أن التقويم بدراهم الفضة أصل معتبر في نفسه ، وقال بعض العلماء : إن العروض تقوم بما كان غالبا في نقود أهل البلد ، فيختلف باختلاف البلاد ، والأصل في هذا المذهب وفي هذا الخلاف في التقدير ، حديث عائشة " " رواه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا أحمد والشيخان وأصحاب السنن إلا ، وفي رواية مرفوعا " ابن ماجه " رواه لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار ، فصاعدا أحمد ومسلم ، وفي رواية أخرى وابن ماجه مرفوعا " للنسائي ، قيل لا تقطع اليد فيما دون ثمن المجن لعائشة : ما ثمن المجن ؟ قالت : ربع دينار " ، ويؤيده حديث في الصحيحين والسنن الثلاث " ابن عمر " وأجابوا عن حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم " وفي رواية " قيمته ثلاثة دراهم بأن أبي هريرة راويه فسر البيضة ببيضة الحديد التي تلبس للحرب ، وهي كالمجن ( الترس ) وقد يكون ثمنها أكثر من ثمنه ، ومذهب الحنفية أن النصاب الموجب للقطع عشرة دراهم فأكثر ، ولا قطع في أقل منها ، واحتجوا برواية عند الأعمش البيهقي والطحاوي عن والنسائي ابن عباس عن أبيه عن جده في تقدير ثمن المجن بعشرة دراهم ، ورجحوها على حديث الصحيحين والسنن بإدخالها في عموم درء الحدود بالشبهات ، ولكن في إسنادها وعمرو بن شعيب محمد بن إسحاق ، وقد عنعن ، ولا يحتج بحديثه معنعنا ، فكيف يعارض حديث الصحيحين ، بل الجماعة كلهم ؟ وهنالك مذاهب أخرى كثيرة في قدر النصاب ، لا نذكرها لضعف أدلتها ، بل بعضها لا يعرف له دليل .
ووردت أحاديث في أن ( وهو بالتحريك : جمار النخل ) لا قطع فيها ، وأما الثمر والكثر فكغيره من المال ، وقيل : لا قطع فيه ، واشترط الجمهور في القطع أن الثمر بعد إحرازه ، فإن لم يكن محرزا محفوظا فلا قطع ، وتفصيل ذلك في كتب الحديث وشروحها . يسرق الشيء من حرز مثله
، وتثبت السرقة بالإقرار والبينة ( الحاكم ) وكذا بعده عند بعض العلماء ، وهو مخالف للأحاديث الصريحة ، وورد [ ص: 316 ] النهي عن ويسقط الحد بالعفو عن السارق قبل رفع أمره إلى الإمام ، وتفصيل ذلك في محله . وأما التوبة فقد بين الله حكمها في قوله : ( إقامة الحد في الغزو فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم ) أي فمن تاب من السراق ورجع عن السرقة وغيرها من المعاصي رجوع ندم وعزم على الاستقامة ، من بعد ظلمه لنفسه بامتهانها وسفهها ، وللناس بالاعتداء على أموالهم ، وأصلح نفسه وزكاها بالصدقة المضادة للسرقة ، وبغير ذلك من أعمال البر - فإن الله تعالى يقبل توبته ، ويرجع إليه بالرضاء والإثابة ، ويغفر له ويرحمه ، فإن ذلك من مقتضى اسمه الغفور واسمه الرحيم .
؟ قال الجمهور : لا يسقط عنه مطلقا ، وقال بعض السلف : بل يسقط عنه ، وإذا قيست السرقة على الحرابة والإفساد فالقول بسقوط الحد ظاهر إن تاب قبل رفع أمره إلى الحاكم ، ولكن لا يسقط حق المسروق منه ، بل لا تصح التوبة إلا بإعادة المال المسروق إليه بعينه إن بقي ، وإلا دفع قيمته إن قدر ، ولا يظهر لنا وجه لما قاله بعض الفقهاء من عدم وهل يسقط الحد عن التائب ; فإن الحد حق الله تعالى لمصلحة عباده عامة ، والمال حق من سرق منه خاصة . الجمع بين الحد وغرامة المال المسروق