يقولون هل لنا من الأمر من شيء قل إن الأمر كله لله يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم وليبتلي الله ما في صدوركم وليمحص ما في قلوبكم والله عليم بذات الصدور ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية
إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم الأمنة والأمن سواء ، وقيل : ، وهي منصوبة بأنزل . ونعاسا بدل منها أو عطف بيان أو مفعول له ، وأما ما قيل من أن أمنة حال من نعاسا مقدمة عليه أو حال من المخاطبين أو مفعول له فبعيد . الأمنة إنما تكون مع أسباب الخوف ، والأمن مع عدمه
وقرأ ابن محيصن ( أمنة ) بسكون الميم . قوله : يغشى : قرئ بالتحتية على أن الضمير للنعاس وبالفوقية على أن الضمير لأمنة ، والطائفة الأخرى هم معتب بن قشير وأصحابه ، وكانوا خرجوا طمعا في الغنيمة وجعلوا يناشدون على الحضور ، ويقولون الأقاويل .
ومعنى أهمتهم أنفسهم حملتهم على الهم ، أهمني الأمر أقلقني ، والواو في قوله : وطائفة للحال ، وجاز الابتداء بالنكرة لاعتمادها على واو الحال ، وقيل : إن معنى أهمتهم أنفسهم صارت همهم لا هم لهم غيرها . يظنون بالله غير الحق : هذه الجملة في محل نصب على الحال : أي : يظنون بالله غير الحق الذي يجب أن يظن به ، وظن الجاهلية : بدل منه . وهو الظن المختص بملة الجاهلية ، أو ظن أهل الجاهلية ، وهو ظنهم أن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باطل ، وأنه لا ينصر ولا يتم ما دعا إليه من دين الحق .
وقوله : يقولون بدل من يظنون أي : يقولون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل لنا من الأمر من شيء أي : هل لنا من أمر الله نصيب ، وهذا الاستفهام معناه الجحد ; أي : ما لنا شيء من الأمر . وهو النصر والاستظهار على العدو ، وقيل هو الخروج ; أي : إنما خرجنا مكرهين ، فرد الله سبحانه ذلك عليهم بقوله : قل إن الأمر كله لله وليس لكم ولا لعدوكم منه شيء ، فالنصر بيده والظفر منه .
وقوله : يخفون في أنفسهم أي : يضمرون في أنفسهم النفاق ولا يبدون لك ذلك ، بل يسألونك سؤال المسترشدين . وقوله : يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا استئناف كأنه قيل : ما هو الأمر الذي يخفون في أنفسهم ؟ فقيل : يقولون فيما بينهم أو في أنفسهم لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا أي : ما قتل من قتل منا في هذه المعركة ، فرد الله سبحانه ذلك عليهم بقوله : قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم أي : لو كنتم قاعدين في بيوتكم لم يكن بد من خروج من كتب عليه القتل إلى هذه المصارع التي صرعوا فيها ، فإن قضاء الله لا يرد .
وقوله : وليبتلي الله ما في صدوركم علة لفعل مقدر قبلها معطوفة على علل له أخرى مطوية للإيذان بكثرتها ، كأنه قيل : لعل ما فعل لمصالح جمة ، وليبتلي إلخ ، وقيل : إنه معطوف على علة مطوية لبرز ، والمعنى : ليمتحن ما في صدوركم من الإخلاص ، وليمحص ما في قلوبكم من وساوس الشيطان .
قوله : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان أي انهزموا يوم أحد : وقيل المعنى : إن الذين تولوا المشركين يوم أحد إنما استزلهم الشيطان استدعى زللهم بسبب بعض ما كسبوا من الذنوب التي منها مخالفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولقد عفا الله عنهم لتوبتهم واعتذارهم .
وقد أخرج عن ابن جرير في الآية قال : أمنهم الله يومئذ بنعاس غشاهم ، وإنما ينعس من يأمن . وقد ثبت في صحيح ابن عباس وغيره أن البخاري أبا طلحة قال : غشينا ونحن في مصافنا يوم أحد ، فجعل سيفي يسقط من يدي وآخذه ويسقط وآخذه ، فذلك قوله : ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا الآية .
وأخرج الترمذي وصححه وابن جرير وأبو الشيخ والبيهقي في الدلائل عن قال : رفعت رأسي يوم الزبير بن العوام أحد فجعلت أنظر وما منهم من أحد إلا وهو يميل تحت جحفته من النعاس ، وتلا هذه الآية . وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن قال : إن المنافقين قالوا ابن جريج لعبد الله بن أبي ، وكان سيد المنافقين : قتل اليوم بنو الخزرج ، فقال : وهل لنا من الأمر شيء ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل .
وأخرج عن ابن جرير قتادة والربيع في قوله : ظن الجاهلية قال : ظن أهل الشرك . وأخرج ابن إسحاق عن وابن أبي حاتم قال : ابن عباس معتب هو الذي قال يوم أحد : لو كان لنا من الأمر شيء .
وأخرج عن ابن أبي حاتم الحسن أن الذي قال ذلك عبد الله بن أبي . وأخرج ابن المنذر عن [ ص: 251 ] وابن أبي حاتم في قوله : عبد الرحمن بن عوف إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان قال : هم ثلاثة ، واحد من المهاجرين ، واثنان من الأنصار . وأخرج ابن منده عن وابن عساكر في الآية قال : نزلت في ابن عباس عثمان ورافع بن المعلى . وقد روي في تعيين " من " في الآية روايات كثيرة . وخارجة بن زيد