قوله : ( لا يحزنك ) قرأ نافع بضم الياء وكسر الزاي والباقون بفتح الياء وضم الزاي ، والحزن خلاف السرور ، وحزن الرجل بالكسر فهو حزن وحزين : وأحزنه غيره وحزنه ، قال اليزيدي : حزنه لغة قريش وأحزنه لغة تميم ، وقد قرئ بهما ، وفي الآية النهي له صلى الله عليه وآله وسلم عن التأثر لمسارعة الكفرة في كفرهم تأثرا بليغا ؛ لأن الله سبحانه قد وعده في غير موطن بالنصر عليهم ، والمسارعة إلى الشيء : الوقوع فيه بسرعة .
والمراد هنا وقوعهم في الكفر بسرعة عند وجود فرصة ، وآثر لفظ ( في ) على لفظ ( إلى ) للدلالة على استقرارهم فيه ، و ( من ) في قوله : ( من الذين قالوا ) بيانية ، والجملة مبينة للمسارعين في الكفر ، والباء في ( بأفواههم ) متعلقة بـ ( قالوا ) لا بـ ( آمنا ) وهؤلاء الذين قالوا آمنوا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم هم المنافقون ( ومن الذين هادوا ) يعني اليهود ، وهو معطوف على ( من الذين قالوا آمنا ) وهو تمام الكلام ، والمعنى : أن المسارعين في الكفر طائفة المنافقين وطائفة اليهود .
وقوله : ( سماعون للكذب ) خبر مبتدأ محذوف ؛ أي : هم سماعون للكذب ، فهو راجع إلى الفريقين أو إلى المسارعين ، واللام في قوله : ( للكذب ) للتقوية أو لتضمين السماع معنى القبول ، وقيل : إن قوله : ( سماعون ) مبتدأ خبره من الذين هادوا أي : ومن الذين هادوا قوم ( سماعون للكذب ) أي : قابلون لكذب رؤسائهم المحرفين للتوراة ، قوله : سماعون لقوم آخرين خبر ثان ، واللام فيه كاللام في ( للكذب ) وقيل : اللام للتعليل في الموضعين ؛ أي : سماعون لكلام رسول الله لأجل الكذب عليه ، وسماعون لأجل قوم آخرين وجهوهم عيونا لهم لأجل أن يبلغوهم ما سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
قوله : ( لم يأتوك ) صفة ل ( قوم ) أي : لم يحضروا مجلسك وهم طائفة من اليهود كانوا لا يحضرون مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تكبرا وتمردا ، وقيل هم جماعة من المنافقين كانوا يتجنبون مجالس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، قال الفراء : ويجوز سماعين كما قال : ( ملعونين أينما ثقفوا ) [ الأحزاب : 61 ] .
قوله : يحرفون الكلم من بعد مواضعه من جملة صفات القوم المذكورين ؛ أي : يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها ويتأولونه على غير تأويله ، والمحرفون هم اليهود ، وقيل : إن هذه الجملة خبر مبتدأ محذوف ، وقيل في محل نصب على الحال من ( لم يأتوك ) وقيل مستأنفة لا محل لها من الإعراب لقصد تعداد معايبهم ومثالبهم .
ومعنى ( من بعد مواضعه ) من بعد كونه موضوعا في مواضعه ، أو من بعد وضعه في مواضعه التي وضعه الله فيها من حيث لفظه ، أو من حيث معناه قوله : يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه جملة حالية من ضمير ( يحرفون ) ، أو مستأنفة ، أو صفة لقوم ، أو خبر مبتدأ محذوف ، والإشارة بقولهم : ( هذا ) إلى الكلام المحرف ؛ أي : إن أوتيتم من جهة محمد هذا الكلام الذي حرفناه فخذوه واعملوا به وإن لم تؤتوه بل جاءكم بغيره فاحذروا من قبوله والعمل به .
قوله : ومن يرد الله فتنته أي : ضلالته فلن تملك له من الله شيئا أي : فلا تستطيع دفع ذلك عنه ولا تقدر على نفعه وهدايته ، [ ص: 373 ] وهذه الجملة مستأنفة مقررة لما قبلها ، وظاهرها العموم ويدخل فيها هؤلاء الذين سياق الكلام معهم دخولا أوليا ، والإشارة بقوله : ( أولئك ) إلى من تقدم ذكرهم من الذين قالوا آمنا بأفواههم ومن الذين هادوا ، وهو مبتدأ وخبره الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم ؛ أي : لم يرد تطهيرها من أرجاس الكفر والنفاق كما طهر قلوب المؤمنين ( لهم في الدنيا خزي ) بظهور نفاق المنافقين وبضرب الجزية على الكافرين وظهور تحريفهم وكتمهم لما أنزل الله في التوراة .
قوله : ( سماعون للكذب ) كرره تأكيدا لقبحه ، وليكون كالمقدمة لما بعده ، وهو ( أكالون للسحت ) وهما من جملة أخبار ذلك المبتدأ المقدر سابقا ، والسحت - بضم السين وسكون الحاء - المال الحرام ، وأصله الهلاك والشدة ، من سحته : إذا هلكه ، ومنه ( فيسحتكم بعذاب ) [ طه : 61 ] ، ومنه قول الفرزدق :
وعض زمان يا بن مروان لم يدع من المال إلا مسحت أو محلق
ويقال للحالق : اسحت ؛ أي : استأصل ، وسمي الحرام سحتا ؛ لأنه يسحت الطاعات ؛ أي : يذهبها ويستأصلها ، وقال الفراء : أصله كلب الجوع ، وقيل : هو الرشوة ، والأول أولى ، والرشوة تدخل في الحرام دخولا أوليا ، وقد فسره جماعة بنوع من أنواع الحرام خاص كالهدية لمن يقضي له حاجة ، وحلوان الكاهن ، والتعميم أولى بالصواب .
قوله : فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم فيه تخيير لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الحكم بينهم والإعراض عنهم .
وقد استدل به على أن حكام المسلمين مخيرون بين الأمرين ، وقد أجمع العلماء على أنه يجب ، واختلفوا في على حكام المسلمين أن يحكموا بين المسلم والذمي إذا ترافعا إليهم ، فذهب قوم إلى التخيير ، وذهب آخرون إلى الوجوب ، وقالوا : إن هذه الآية منسوخة بقوله : أهل الذمة إذا ترافعوا فيما بينهم وأن احكم بينهم بما أنزل الله وبه قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والزهري وعمر بن عبد العزيز والسدي : وهو الصحيح من قول ، وحكاه الشافعي القرطبي عن أكثر العلماء .
قوله : وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا أي : إن اخترت الإعراض عن الحكم بينهم فلا سبيل لهم عليك ؛ لأن الله حافظك وناصرك عليهم ، وإن اخترت الحكم بينهم فاحكم بينهم بالقسط أي : بالعدل الذي أمرك الله به وأنزله عليك .
قوله : وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله فيه تعجيب له صلى الله عليه وآله وسلم من تحكيمهم إياه مع كونهم لا يؤمنون به ولا بما جاء به ، مع أن ما يحكمونه فيه هو موجود عندهم في التوراة كالرجم ونحوه ، وإنما يأتون إليه صلى الله عليه وآله وسلم ويحكمونه طمعا منهم في أن يوافق تحريفهم وما صنعوه بالتوراة من التغيير .
قوله : ( ثم يتولون ) عطف على ( يحكمونك ) ، ( من بعد ذلك ) أي : من بعد تحكيمهم لك ، وجملة قوله : ( وما أولئك بالمؤمنين ) لتقرير مضمون ما قبلها .
وقوله : إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور استئناف يتضمن تعظيم التوراة وتفخيم شأنها وأن فيها الهدى والنور ، وهو بيان الشرائع والتبشير بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وإيجاب اتباعه .
قوله : ( يحكم بها النبيون ) هم أنبياء بني إسرائيل ، والجملة إما مستأنفة أو حالية ، و ( الذين أسلموا ) صفة مادحة للنبيين ، وفيه إرغام لليهود المعاصرين له صلى الله عليه وآله وسلم بأن أنبياءهم كانوا يدينون بدين الإسلام الذي دان به محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وقيل : المراد بالنبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وعبر عنه بلفظ الجمع تعظيما .
قوله : ( للذين هادوا ) متعلق بـ ( يحكم ) والمعنى : أنه يحكم بها النبيون للذين هادوا عليهم .
( والربانيون ) العلماء الحكماء ، وقد سبق تفسيره ، والأحبار العلماء ، مأخوذ من التحبير وهو التحسين فهم يحبرون العلم ؛ أي : يحسنونه ، قال الجوهري : الحبر واحد أحبار اليهود بالفتح وبالكسر ، والكسر أفصح ، وقال الفراء : هو بالكسر ، وقال أبو عبيدة : هو بالفتح ، قوله : بما استحفظوا من كتاب الله الباء للسببية و ( استحفظوا ) أمروا بالحفظ ؛ أي : أمرهم الأنبياء بحفظ التوراة عن التغيير والتبديل ، والجار والمجرور متعلق بـ ( يحكم ) أي : يحكمون بها بسبب هذا الاستحفاظ .
قوله : وكانوا عليه شهداء أي : على كتاب الله ، والشهداء الرقباء ، فهم يحمون عن التغيير والتبديل بهذه المراقبة ، والخطاب بقوله : ( فلا تخشوا الناس ) لرؤساء اليهود ، وكذا في قوله : ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا والاشتراء الاستبدال ، وقد تقدم تحقيقه .
قوله : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون لفظ ( من ) من صيغ العموم فيفيد أن هذا غير مختص بطائفة معينة بل بكل من ولي الحكم ، وقيل إنها مختصة بأهل الكتاب ، وقيل بالكفار مطلقا لأن المسلم لا يكفر بارتكاب الكبيرة ، وقيل هو محمول على أن الحكم بغير ما أنزل الله وقع استخفافا ، أو استحلالا أو جحدا ، والإشارة بقوله : ( أولئك ) إلى ( من ) والجمع باعتبار معناها ، وكذلك ضمير الجماعة في قوله : ( هم الكافرون ) وقد أخرج ابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ابن عباس لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر قال : هم اليهود من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم قال : هم المنافقون .
وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عنه قال : إن الله أنزل ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ( الظالمون ) ، ( الفاسقون ) أنزلها الله في طائفتين من اليهود قهرت إحداهما الأخرى في الجاهلية حتى اصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا ، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق ، فكانوا على ذلك حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ، فذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله ورسول الله يومئذ لم يظهر عليهم ، فقتلت الذليلة من العزيزة ، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا إلينا بمائة وسق ، فقالت الذليلة : وهل كان هذا في حيين قط دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدهما واحد ودية بعضهم نصف [ ص: 374 ] دية بعض ؟ إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم ، فأما إذ قدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلا نعطيكم ذلك ، فكانت الحرب تهيج بينهما ، ثم ارتضوا على أن جعلوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما ، ففكرت العزيزة فقالت : والله ما محمد يعطيكم منهم ضعف ما نعطيهم منكم ، ولقد صدقوا ، ما أعطونا هذا إلا ضيما وقهرا لهم ، فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يخبر لكم رأيه ، فإن أعطاكم ما تريدون حكمتوه ، وإن لم يعطكم حذرتموه ولم تحكموه ، فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناسا من المنافقين يختبرون لهم رأيه ، فلما جاءوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر الله رسوله بأمرهم كله وما أرادوا ، فأنزل الله ياأيها الرسول لا يحزنك إلى قوله : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ثم قال : فيهم والله أنزلت ، وإياهم عنى . وأخرج عبد الرزاق وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل ، عن قال : أبي هريرة اليهود زنى رجل منهم وامرأة ، فقال بعضهم لبعض : اذهبوا بنا إلى هذا النبي ، فإنه نبي بعث بالتخفيف ، فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله وقلنا : فتيا نبي من أنبيائك ، قال : فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو جالس في المسجد وأصحابه ، فقالوا : يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا ، فلم يكلمهم حتى أتى بيت مدراسهم ، فقام على الباب : فقال : موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن ؟ قالوا : يحمم ويجبه ويجلد ، والتجبية : أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيتهما ويطاف بهما وسكت شاب منهم فلما رآه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سكت ألظ به النشدة ، فقال : اللهم إذ نشدتنا نعم فإنا نجد في التوراة الرجم ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فما أول ما ارتخصتم أمر الله ؟ قال : زنى رجل ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ، ثم زنى رجل في أسرة من الناس فأراد رجمه ، فحال قومه دونه ، وقالوا : والله لا ترجم صاحبنا حتى تجيء بصاحبك فترجمه ، فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : فإني أحكم بما في التوراة ، فأمر بهما فرجما أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على . أول مرجوم رجمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من
قال : فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم : الزهري إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا فكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم ، وأخرجه ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في سننه من طريق أخرى عن أبي هريرة ، وذكر فيه أن الشاب المذكور هو عبد الله بن صوريا . وأخرج نحو حديث أبي هريرة أحمد ومسلم وأبو داود من حديث والنسائي . وأخرج البراء بن عازب البخاري ومسلم وغيرهما من حديث عبد الله بن عمر : اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ما تجدون في التوراة ؟ قالوا : نفضحهم ويجلدون ، قال : كذبتم إن فيها آية الرجم ، فأتوا بالتوراة فنشروها ، فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها ، فقال عبد الله بن سلام : ارفع يدك ، فرفع يده فإذا آية الرجم ، قالوا صدق ، فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجما عبد الله بن سلام . أن
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن في قوله : جابر بن عبد الله ومن الذين هادوا سماعون للكذب قال : يهود المدينة سماعون لقوم آخرين لم يأتوك قال : يهود فدك ( يحرفون الكلم ) قال : يهود فدك يقولون ليهود المدينة : ( إن أوتيتم هذا ) الجلد فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا الرجم . وأخرج أبو داود وابن ماجه وابن المنذر وابن مردويه عنه قال : زنى رجل من أهل فدك ، فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدا ، وذكر القصة . وأخرج ، عن ابن جرير في قوله : ( أكالون للسحت ) قال : أخذوا الرشوة في الحكم وقضوا بالكذب . ابن عباس
وأخرج عبد الرزاق والفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ ، عن قال : السحت الرشوة في الدين ، قال ابن مسعود سفيان : يعني في الحكم . وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ والبيهقي في شعب الإيمان ، عن أيضا قال : من شفع لرجل ليدفع عنه مظلمة أو يرد عليه حقا فأهدي له هدية فقبلها فذلك السحت فقيل له : يا ابن مسعود أبا عبد الرحمن إنا كنا نعد السحت الرشوة في الحكم ، فقال ذلك الكفر : ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون وقد روي نحو هذا عنه من طرق . وأخرج ، عن ابن أبي حاتم قال : رشوة الحكام حرام ، وهي السحت الذي ذكر الله في كتابه . وأخرج ابن عباس ، عن عبد بن حميد قال : السحت الرشوة . زيد بن ثابت
وأخرج ، عن عبد بن حميد أنه سئل عن السحت فقال : الرشا ، فقيل له : في الحكم ، قال : ذاك الكفر . وأخرج علي بن أبي طالب عبد بن حميد ، عن وابن جرير عمر قال : بابان من السحت يأكلهما الناس : الرشاء في الحكم ، ومهر الزانية .
وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تحريم الرشوة ما هو معروف . وأخرج أبو داود في ناسخه وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي في سننه ، عن قال : آيتان نسختا من سورة المائدة : آية القلائد ، وقوله : ابن عباس فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخيرا ؛ إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء أعرض عنهم ، فردهم إلى أحكامهم ، فنزلت وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا . وأخرج نحوه في الآية الآخرة عنه أبو عبيدة وابن المنذر وابن مردويه . وأخرج عبد الرزاق عن عكرمة نحوه .
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه ، أن الآيات من المائدة التي قال فيها : ابن عباس فاحكم بينهم أو أعرض عنهم إلى قوله : ( المقسطين ) إنما نزلت في الدية من بني النضير وقريظة ، وذلك أن قتلى بني النضير كان لهم شرف يودون الدية كاملة ، وأن بني قريظة كانوا يودون نصف الدية ، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله [ ص: 375 ] صلى الله عليه وآله وسلم ، فأنزل الله ذلك فيهم ، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الحق في ذلك ، فجعل الدية سواء . وأخرج نحوه عنه عن ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في سننه .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله : وابن أبي حاتم وعندهم التوراة فيها حكم الله يعني حدود الله ، فأخبره الله بحكمه في التوراة ، قال : ( وكتبنا عليهم فيها ) إلى قوله : ( والجروح قصاص ) وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ ، عن الحسن في قوله : يحكم بها النبيون الذين أسلموا يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( للذين هادوا ) يعني اليهود .
وأخرج ، عن ابن جرير عكرمة قال : الذين أسلموا النبي ومن قبله من الأنبياء يحكمون بما فيها من الحق . وأخرج ، عن ابن جرير الحسن قال الربانيون والأحبار : الفقهاء والعلماء . وأخرج عن مجاهد قال الربانيون : العلماء الفقهاء ، وهم فوق الأحبار . وأخرج ، عن ابن أبي حاتم الحسن قال : الربانيون العباد ، والأحبار العلماء . وأخرج ، عن ابن أبي حاتم قال : الربانيون الفقهاء العلماء . وأخرج ابن عباس ابن جرير عنه قال : الربانيون هم المؤمنون ، والأحبار هم القراء . وابن أبي حاتم
وأخرج ، عن ابن جرير ( فلا تخشوا الناس ) فتكتموا ما أنزلت السدي ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا على أن تكتموا ما أنزلت . وأخرج ، عن ابن جرير ابن زيد ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا قال : لا تأكلوا السحت على كتابي .
وأخرج ابن جرير وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم في قوله : ومن لم يحكم يقول : من ابن عباس فقد كفر ، ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق . وأخرج جحد الحكم بما أنزل الله الفريابي وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه ، عن في قوله : ابن عباس ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون قال : إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه وإنه ليس كفر ينقل من الملة بل دون كفره .
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر ، عن في قوله : عطاء بن أبي رباح ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ، ( هم الظالمون ) ، ( هم الفاسقون ) قال : كفر دون كفر وظلم دون ظلم ، وفسق دون فسق . وأخرج سعيد بن منصور وأبو الشيخ وابن مردويه ، عن قال : إنما أنزل الله ابن عباس ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون و ( الظالمون ) و ( الفاسقون ) في اليهود خاصة .
وقد روي نحو هذا عن جماعة من السلف . وأخرج عبد الرزاق وابن جرير والحاكم وصححه ، عن وابن أبي حاتم حذيفة ، أن هذه الآيات ذكرت عنده ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون و ( الظالمون ) و ( الفاسقون ) فقال رجل : إن هذا في بني إسرائيل ، فقال حذيفة : نعم ؛ الإخوة لكم بنو إسرائيل ، إن كان لكم كل حلوة ولهم كل مرة كلا ، والله لتسلكن طريقهم قد الشراك . وأخرج ابن المنذر نحوه عن . ابن عباس