إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين وما جعله الله إلا بشرى ولتطمئن به قلوبكم وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم
قوله : إذ تستغيثون : الظرف متعلق بمحذوف : أي واذكروا وقت استغاثتكم ، وقيل : بدل من وإذ يعدكم الله ( الأنفال : 8 ) معمول لعامله ، وقيل : متعلق بقوله : ليحق الحق ( الأنفال : 8 ) والاستغاثة : طلب الغوث ، يقال : استغاثني فلان فأغثته ، والاسم الغياث ، والمعنى : أن المسلمين لما علموا أنه لا بد من قتال الطائفة ذات الشوكة وهم النفير كما أمرهم الله بذلك وأراده منهم ورأوا كثرة عدد النفير وقلة عددهم استغاثوا بالله - سبحانه - وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن عدد المشركين يوم بدر ألف ، وعدد المسلمين ثلثمائة وسبعة عشر رجلا ، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما رأى ذلك استقبل القبلة ، ثم مد يديه فجعل يهتف بربه : اللهم أنجز لي ما وعدتني ، اللهم آتني ما وعدتني ، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض الحديث .
" فاستجاب لكم " عطف على " تستغيثون " داخل معه في التذكير ، وهو وإن كان مستقبلا فهو بمعنى الماضي ، ولهذا عطف عليه " استجاب " .
قوله : أني ممدكم بألف من الملائكة أي بأني ممدكم فحذف حرف الجر وأوصل الفعل إلى المفعول ، وقرئ بكسر الهمزة على إرادة القول ، أو على أن في " استجاب " معنى القول ، قوله " مردفين " قرأ نافع بفتح الدال ، اسم مفعول ، وقرأ الباقون بكسرها ، اسم فاعل ، وانتصابه على الحال ، والمعنى على القراءة الأولى : أنه جعل بعضهم تابعا لبعض ، وعلى القراءة الثانية : أنهم جعلوا بعضهم تابعا لبعض ، وقيل : إن مردفين على القراءتين نعت لألف ، وقيل : إنه على القراءة الأولى حال من الضمير المنصور في " ممدكم " : أي ممدكم في حال إردافكم بألف من الملائكة ، وقد قيل : إن ردف وأردف بمعنى واحد ، وأنكره أبو عبيدة قال : لقوله - تعالى - تتبعها الرادفة ( النازعات : 7 ) ولم يقل " المردفة " .
قال سيبويه : وفي الآية قراءة ثالثة وهي " مردفين " بضم الراء وكسر الدال مشددة ، وقراءة رابعة بفتح الراء وتشديد الدال .
وقرأ جعفر بن محمد ، وعاصم الجحدري بآلاف جمع ألف ، وهو الموافق لما تقدم في آل عمران .
والضمير في " وما [ ص: 528 ] جعله الله " راجع إلى الإمداد المدلول عليه بقوله : إني ممدكم ، إلا بشرى أي إلا بشارة لكم بنصره ، وهو استثناء مفرغ : أي ما جعل إمدادكم لشيء من الأشياء إلا للبشرى لكم بالنصر ولتطمئن به ، أي بالإمداد ، قلوبكم ، وفي هذا إشعار بأن الملائكة لم يقاتلوا ، بل أمد الله المسلمين بهم للبشرى لهم وتطمين قلوبهم وتثبيتها ، واللام في " لتطمئن " متعلقة بفعل محذوف يقدر متأخرا : أي ولتطمئن قلوبكم فعل ذلك لا لشيء آخر وما النصر إلا من عند الله لا من عند غيره ليس للملائكة في ذلك أثر ، فهو الناصر على الحقيقة ، وليسوا إلا سببا من أسباب النصر التي سببها الله لكم وأمدكم بها إن الله عزيز لا يغالب حكيم في كل أفعاله .
وقد أخرج ابن جرير ، عن علي - رضي الله عنه - قال : نزل جبريل في ألف من الملائكة عن ميمنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيها أبو بكر ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة عن ميسرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا في الميسرة .
وأخرج سنيد ، وابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد قال : ما أمد النبي - صلى الله عليه وسلم - بأكثر من هذه الألف التي ذكر الله في الأنفال ، وما ذكر الثلاثة الآلاف والخمسة الآلاف إلا بشرى .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ، عن ابن عباس ، في قوله : مردفين قال : متتابعين .
وأخرج ابن جرير عنه في قوله : مردفين يقول : المدد .
وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ عنه أيضا في الآية قال : وراء كل ملك ملك .
وأخرج ابن أبي حاتم ، عن الشعبي ، قال : كان ألف مردفين ، وثلاثة آلاف منزلين ، فكانوا أربعة آلاف ، وهم مدد المسلمين في ثغورهم .
وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وأبو الشيخ ، عن مجاهد في قوله : مردفين قال : مجدين .
وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، عن قتادة قال : متتابعين أمدهم الله بألف ثم بثلاثة ، ثم أكملهم خمسة آلاف وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن به قلوبكم قال : يعني نزول الملائكة .
قال : وذكر لنا أن عمر قال : أما يوم بدر فلا نشك أن الملائكة كانوا معنا وأما بعد ذلك فالله أعلم .
وأخرج ابن جرير ، وأبو الشيخ ، عن ابن زيد مردفين قال : بعضهم على أثر بعض .


