ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا .
أراد سبحانه أن يعلم عباده كيفية الدعاء والخشوع فقال : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن ومعناه : أنهما مستويان في جواز الإطلاق وحسن الدعاء بهما ، ولهذا قال : ( أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ) التنوين في ( أيا ) عوض عن المضاف إليه ، و ( ما ) مزيدة لتوكيد الإبهام في ( أيا ) ، والضمير في ( له ) راجع إلى المسمى ، وكان أصل الكلام : أيا ما تدعوا فهو حسن ، فوضع موضعه ( فله الأسماء الحسنى ) للمبالغة ، وللدلالة على أنها إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان ، ومعنى حسن الأسماء : استقلالها بنعوت الجلال والإكرام ، ذكر معنى هذا النيسابوري وتبعه أبو السعود .
قال : أعلمهم الله أن دعاءهم الله ودعاءهم الرحمن يرجعان إلى قول واحد ، وسيأتي ذكر سبب نزول الآية ، وبه يتضح المراد منها ، ثم ذكر كيفية أخرى للدعاء فقال : الزجاج ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها أي : بقراءة صلاتك على حذف المضاف للعلم بأن الجهر والمخافتة من نعوت الصوت ، لا من نعوت أفعال الصلاة ، فهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء ، يقال : خفت صوته خفوتا : إذا انقطع كلامه وضعف وسكن ، وخفت الزرع إذا ذبل ، وخافت الرجل بقراءته : إذا لم يرفع بها صوته ، وقيل : معناه : لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها ، والأول أولى ( وابتغ بين ذلك سبيلا ) أي : الجهر والمخافتة المدلول عليها بالفعلين . ( سبيلا ) أي : طريقا متوسطا بين الأمرين ، فلا تكن مجهورة ولا مخافتا بها ، وعلى التفسير الثاني يكون معنى ذلك النهي عن الجهر بقراءة الصلوات كلها ، والنهي عن ، والأمر بجعل البعض منها مجهورا به ، وهو صلاة الليل والمخافتة بصلاة النهار ، وذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله : المخافتة بقراءة الصلوات كلها ادعوا ربكم تضرعا وخفية [ الأعراف : 55 ] .
ولما أمر أن لا يذكر ولا ينادى إلا بأسمائه الحسنى نبه على كيفية الحمد له فقال : وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا كما تقوله اليهود والنصارى ، ومن قال من المشركين إن الملائكة بنات الله ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا ولم يكن له شريك في الملك أي : مشارك له في ملكه وربوبيته كما تزعمه الثنوية ونحوهم من الفرق القائلين بتعدد الآلهة ولم يكن له ولي من الذل أي : لم يحتج إلى موالاة أحد لذل يلحقه فهو مستغن عن الولي والنصير .
قال : أي : لم يحتج أن ينتصر بغيره ، وفي التعرض في أثناء الحمد لهذه الصفات الجليلة إيذان بأن المستحق للحمد من له هذه الصفات ؛ لأنه القادر على الإيجاد وإفاضة النعم لكون الولد مجبنة ومبخلة ، ولأنه أيضا يستلزم حدوث الأب لأنه متولد من جزء من أجزائه ، والمحدث غير قادر على كمال الإنعام ، والشركة في الملك إنما تتصور لمن لا يقدر على الاستقلال به ، ومن لا يقدر على الاستقلال عاجز ، فضلا عن تمام ما هو له ، فضلا عن نظام ما هو عليه ، وأيضا الشركة موجبة للتنازع بين الشريكين ، فقد يمنعه الشريك من إفاضة الخير إلى أوليائه ، ومؤدية إلى الفساد الزجاج لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا [ الأنبياء : 22 ] والمحتاج إلى ولي يمنعه من الذل وينصره على من أراد إذلاله ضعيف لا يقدر على ما يقدر عليه من هو مستغن بنفسه وكبره تكبيرا أي : عظمه تعظيما ، وصفه بأنه أعظم من كل شيء .
وقد أخرج ابن جرير وابن مردويه ، عن قال : ابن عباس صلى رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - بمكة ذات يوم فقال في دعائه : يا ألله يا رحمن ، فقال المشركون : انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين ، وهو يدعو إلهين ، فأنزل الله : قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن الآية .
وأخرج ، عن ابن أبي حاتم قال : إبراهيم النخعي إن اليهود سألوا رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن الرحمن ، وكان لهم كاهن باليمامة يسمونه بالرحمن ، فنزلت الآية وهو مرسل .
وأخرج عن ابن جرير مكحول أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يتهجد بمكة ذات ليلة يقول في سجوده : يا رحمن يا رحيم ، فسمعه رجل من المشركين ، فلما أصبح قال لأصحابه : إن يدعو الليلة الرحمن الذي ابن أبي كبشة باليمن ، وكان رجل باليمن يقال له رحمن ، فنزلت .
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق نهشل بن سعيد ، عن الضحاك ، عن قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - عن قول الله : ابن عباس قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا إلى آخر الآية ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : هو أمان من السرق وإن رجلا من المهاجرين من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - تلاها حيث أخذ مضجعه ، فدخل عليه سارق فجمع ما في البيت وحمله والرجل ليس بنائم حتى انتهى إلى الباب فوجد الباب مردودا ، فوضع الكارة ، ففعل ذلك ثلاث مرات ، فضحك صاحب الدار ثم قال : إني حصنت بيتي .
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما ، ابن [ ص: 848 ] عباس في قوله : ولا تجهر بصلاتك الآية ، قال : نزلت ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - متوار ، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله لنبيه : ولا تجهر بصلاتك أي بقراءتك ، فيسمع المشركون ، فيسبوا القرآن ولا تخافت بها عن أصحابك ، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك وابتغ بين ذلك سبيلا يقول : بين الجهر والمخافتة . عن
وأخرج ابن مردويه عنه قال بمكة فيؤذى ، فأنزل الله : ولا تجهر بصلاتك . كان نبي الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يجهر بالقراءة
وأخرج عنه أيضا نحوه . ابن أبي شيبة
وأخرج أبو داود في ناسخه عنه نحوه .
وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضا قال : مسيلمة الكذاب قد سمي الرحمن ، فكان النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إذا قال المشركون : يذكر إله صلى فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم اليمامة ، فأنزل الله : ولا تجهر بصلاتك . كان
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن قال : نبئت أن محمد بن سيرين أبا بكر كان إذا قرأ خفض ، وكان عمر إذا قرأ جهر ، فقيل لأبي بكر لم تصنع هذا ؟ قال : أنا أناجي ربي ، وقد عرف حاجتي ، وقيل لعمر لم تصنع هذا ؟ قال : أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان ، فلما نزل : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قيل لأبي بكر : ارفع شيئا ، وقيل : لعمر اخفض شيئا .
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وغيرهم عن عائشة قالت : إنما نزلت هذه الآية : ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها في الدعاء .
وأخرج ابن جرير والحاكم عنها قالت : نزلت في التشهد .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن مردويه ، عن مثل حديث ابن عباس عائشة الأول .
وأخرج ابن جرير ، عن وابن أبي حاتم قال : إن محمد بن كعب القرظي اليهود والنصارى قالوا : اتخذ الله ولدا ، وقالت العرب : لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك ، وقال الصابئون والمجوس : لولا أولياء الله لذل ، فأنزل الله هذه الآية : وقل الحمد لله إلى آخرها .
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر ، عن وابن أبي حاتم مجاهد في قوله : ولم يكن له ولي من الذل قال : لم يحالف أحدا ولم يبتغ نصر أحد .
وأخرج أحمد ، عن والطبراني معاذ بن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - : الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا الآية كلها . آية العز :
وأخرج أبو يعلى ، وابن السني قال : خرجت أنا ورسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ويده في يدي ، فأتى علي رجل رث الهيئة فقال : أي فلان ما بلغ بك ما أرى ؟ قال : السقم والضر ، قال : أبي هريرة توكلت على الحي الذي لا يموت ، ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر ؟ الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا إلى آخر الآية ، فأتى عليه رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - وقد حسنت حاله فقال : مهيم ؟ قال : لم أزل أقول الكلمات التي علمتني . عن
وفي لفظ أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - علم ذلك . أبا هريرة
قال ابن كثير : وإسناده ضعيف وفي متنه نكارة .
وأخرج ، ابن جرير عن قتادة قال : ذكر لنا أن رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يعلم أهله هذه الآية الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا إلى آخرها للصغير من أهله والكبير .
وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن قال : عبد الكريم بن أبي أمية بني هاشم إذا أفصح سبع مرات الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا إلى آخر السورة . كان رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - يعلم الغلام من
وأخرج في المصنف من طريق ابن أبي شيبة عبد الكريم ، عن فذكره . عمرو بن شعيب
وأخرجه في عمل اليوم والليلة من طريق ابن السني عن أبيه عن جده . عمرو بن شعيب