يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير
ياأيها الذين آمنوا قوا أنفسكم بفعل ما أمركم به وترك ما نهاكم عنه وأهليكم بأمرهم بطاعة الله ونهيهم عن معاصيه قوله : نارا وقودها الناس والحجارة أي : نارا عظيمة تتوقد بالناس وبالحجارة كما يتوقد غيرها بالحطب ، وقد تقدم بيان هذا في سورة البقرة .
قال : المعنى قوا أنفسكم وأهليكم بالأدب الصالح - النار في الآخرة . مقاتل بن سليمان
وقال قتادة ، ومجاهد : قوا أنفسكم بأفعالكم ، وقوا أهليكم بوصيتكم .
قال : فعلينا أن نعلم أولادنا الدين والخير وما لا يستغنى عنه من الأدب ، ومن هذا قوله : ابن جرير وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها [ طه : 132 ] وقوله : وأنذر عشيرتك الأقربين [ الشعراء : 214 ] عليها ملائكة غلاظ شداد أي : من الملائكة يلون أمرها وتعذيب أهلها ، غلاظ على أهل النار ، شداد عليهم لا يرحمونهم إذا استرحموهم ؛ لأن الله سبحانه خلقهم من غضبه وحبب إليهم تعذيب خلقه ، وقيل : المراد غلاظ القلوب شداد الأبدان ، وقيل : غلاظ الأقوال شداد الأفعال ، وقيل : الغلاظ ضخام الأجسام ، والشداد الأقوياء على النار خزنة لا يعصون الله ما أمرهم أي : لا يخالفونه في أمره ، و " ما " في ما أمرهم يجوز أن تكون موصولة ، والعائد محذوف ، أي : لا يعصون الله الذي أمرهم به ، ويجوز أن تكون مصدرية ، أي : لا يعصون الله أمره ، على أن يكون " ما أمرهم " بدل اشتمال من الاسم الشريف ، أو على تقدير نزع الخافض ، أي : لا يعصون الله في أمره ويفعلون ما يؤمرون أي : يؤدونه في وقته من غير تراخ لا يؤخرونه عنه ولا يقدمونه .
ياأيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم أي : يقال لهم هذا القول عند إدخالهم النار تأييسا لهم وقطعا لأطماعهم إنما تجزون ما كنتم تعملون من الأعمال في الدنيا ، ومثل هذا قوله : فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون [ الروم : 57 ] .
ياأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا أي : تنصح صاحبها بترك العود إلى ما تاب عنه ، وصفت بذلك على الإسناد المجازي ، وهو في الأصل وصف للتائبين أن ينصحوا بالتوبة أنفسهم بالعزم على الترك للذنب وترك المعاودة له .
والتوبة فرض على الأعيان .
قال قتادة : : الصادقة ، وقيل : الخالصة . التوبة النصوح
وقال الحسن : التوبة النصوح : أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر منه إذا ذكره .
وقال الكلبي : التوبة النصوح الندم بالقلب ، والاستغفار باللسان ، والإقلاع [ ص: 1508 ] بالبدن ، والاطمئنان على أن لا يعود .
وقال : هي التوبة المقبولة . سعيد بن جبير
قرأ الجمهور نصوحا بفتح النون على الوصف للتوبة ، أي : توبة بالغة في النصح ، وقرأ الحسن وخارجة وأبو بكر عن عاصم بضمها ، أي : توبة نصوحا لأنفسكم ، ويجوز أن يكون جمع ناصح ، وأن يكون مصدرا : يقال نصح نصاحة ونصوحا .
قال : أراد توبة ذات نصح المبرد عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار بسبب تلك التوبة ، و " عسى " وإن كان أصلها للإطماع فهي من الله واجبة ؛ لأن و " يدخلكم " معطوف على " يكفر " منصوب بناصبه ، وبالنصب قرأ الجمهور ، وقرئ بالجزم عطفا على محل عسى كأنه قال : توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ويدخلكم التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، يوم لا يخزي الله النبي الظرف متعلق بـ " يدخلكم " ، أي : يدخلكم يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه والموصول معطوف على النبي ، وقيل : الموصول مبتدأ وخبره نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم والأول أولى وتكون جملة نورهم يسعى في محل نصب على الحال أو مستأنفة لبيان حالهم ، وقد تقدم في سورة الحديد أن النور يكون معهم حال مشيهم على الصراط ، وجملة يقولون ربنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير في محل نصب على الحال أيضا ، وعلى الوجه الآخر تكون خبرا آخر ، وهذا دعاء المؤمنين حين أطفأ الله نور المنافقين كما تقدم بيانه وتفصيله .
وقد أخرج عبد الرزاق ، ، والفريابي ، وسعيد بن منصور ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، والحاكم وصححه عن في قوله : علي بن أبي طالب قوا أنفسكم وأهليكم نارا قال : علموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدبوهم .
وأخرج ، ابن جرير وابن المنذر عن في الآية قال : اعملوا بطاعة الله واتقوا معاصي الله وأمروا أهلكم بالذكر ينجكم الله من النار . ابن عباس
وأخرج عنه في الآية قال : أدبوا أهليكم . عبد بن حميد
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن قال : بلغنا أن أبي عمران الجوني تسعة عشر ما بين منكب أحدهم مسيرة مائة خريف ، ليس في قلوبهم رحمة ، إنما خلقوا للعذاب ، يضرب الملك منهم الرجل من أهل النار الضربة فيتركه طحنا من لدن قرنه إلى قدمه . خزنة النار
وأخرج عبد الرزاق ، ، والفريابي ، وسعيد بن منصور وهناد وابن أبي شيبة وابن منيع ، ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، ، وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه ، والبيهقي في الشعب عن أن النعمان بن بشير سئل عن التوبة النصوح ، قال : أن يتوب الرجل من العمل السيئ ثم لا يعود إليه أبدا . عمر بن الخطاب
وأخرج أحمد ، وابن مردويه ، والبيهقي عن قال : ابن مسعود وفي إسناده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم التوبة من الذنب أن يتوب منه ثم لا يعود إليه أبدا إبراهيم بن مسلم الهجري ، وهو ضعيف ، والصحيح الموقوف . كما أخرجه موقوفا عنه ، ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن جرير وابن المنذر ، والبيهقي .
وأخرج الحاكم وصححه عن قال : التوبة النصوح تكفر كل سيئة ، وهو في القرآن ، ثم قرأ هذه الآية . ابن مسعود
وأخرج الحاكم ، والبيهقي في البعث عن في قوله : ابن عباس يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى الآية قال : ليس أحد من الموحدين لا يعطى نورا يوم القيامة ، فأما المنافق فيطفأ نوره ، والمؤمن مشفق مما رأى من إطفاء نور المنافق ، فهو يقول : ربنا أتمم لنا نورنا .