قاعدة في العموم والخصوص
لا يستدل بالصفة العامة إذا لم يظهر تقييد عدم التعميم ; ويستفاد ذلك من السياق ، ولهذا قال الشافعي : اللفظ بين في مقصوده ، ويحتمل في غير مقصوده .
فمنه قوله تعالى : والذين يكنزون الذهب والفضة ( التوبة : 34 ) لا يصلح الاحتجاج بها في إيجاب الزكاة في قليل الذهب والفضة وكثيرهما ، وفي المصوغ منهما من الحلي وغيره . ألا ترى أن من ملك دون النصاب منهما غير داخل في جملة المتوعدين بترك الإنفاق منهما ، وهذا يدل على أن القصد من الآية إثبات الحكم في ترك أداء الواجب من الزكاة منهما ; وفيها دليل على وجوب الزكاة فيهما ، وليس فيها بيان مقدار ما يجب من الحق فيهما .
وقوله تعالى : والذين هم لفروجهم حافظون ( المؤمنون : 5 ) الآية ، القصد منها مدح قوم صانوا فروجهم عما لا يحل ، ولم يواقعوا بها إلا من كان بملك النكاح أو [ ص: 143 ] اليمين ; وليس في الآية بيان ما يحل منها وما لا يحل . ثم إذا احتيج إلى تفصيل ما يحل بالنكاح وملك اليمين صير إلى ما قصد تفصيله بقوله : حرمت عليكم أمهاتكم ( النساء : 23 ) الآية .
كذا قاله وفيه نظر لما سبق . القفال الشاشي ;
ومثله قوله تعالى : أحل لكم ليلة الصيام ( البقرة : 187 ) إلى قوله : من الخيط الأسود ( البقرة : 187 ) ، فلو تعلق متعلق بقوله : وكلوا واشربوا ( البقرة : 187 ) في إباحة أكل أو شرب كل شيء قد اختلف فيه لكان لا معنى له ; لأن المخاطب قد غفل عن أنها لم ترد مبينة لذلك ، بل مبينة لحكم جواز الأكل والشرب والمباشرة إلى الفجر دفعا لما كان الناس عليه من حظر ذلك على من نام ، فبين في الآية إباحة ما كان محظورا ، ثم أطلق لفظ الأكل والشرب والمباشرة لا على معنى إبانة الحكم فيما يحل من ذلك وما يحرم ; ألا ترى أنه لا يدخل فيه شرب الخمر والدم وأكل الميتة ولا المباشرة فيما لا يبتغى منه الولد ; ومثله ( منه ) في القرآن كثير ، وهذا يدل على أن النظر في العموم إلى المعاني لا لإطلاق اللفظ .
قال القفال : ومن ضبط هذا الباب أفاده علوما كثيرة .