[ ص: 179 ] مسألة
قال الأستاذ : أبو إسحاق الإسفراييني طلب التاريخ وترك المتقدم منهما بالمتأخر ، ويكون ذلك نسخا له ، وإن لم يوجد التاريخ وكان الإجماع على استعمال إحدى الآيتين ، علم بإجماعهم أن الناسخ ما أجمعوا على العمل بها . إذا تعارضت الآي وتعذر فيها الترتيب [ والجمع ]
قال : ولا يوجد في القرآن آيتان متعارضتان تعريان عن هذين الوصفين .
وذكروا عند التعارض مرجحات :
الأول : تقديم المكي على المدني ; وإن كان يجوز أن تكون المكية نزلت عليه صلى الله عليه وسلم بعد عوده إلى مكة والمدنية قبلها ، فيقدم الحكم بالآية المدنية على المكية في التخصيص والتقديم ; إذ كان غالب الآيات المكية نزولها قبل الهجرة .
الثاني : أن يكون أحد الحكمين على غالب أحوال أهل مكة ، والآخر على غالب أحوال أهل المدينة ، فيقدم الحكم بالخبر الذي فيه أحوال أهل المدينة ، كقوله تعالى : ومن دخله كان آمنا ( آل عمران : 97 ) ، مع قوله : كتب عليكم القصاص في القتلى ( البقرة : 178 ) ، فإذا أمكن بناء كل واحدة من الآيتين على البدل جعل التخصيص في قوله تعالى : ومن دخله كان آمنا ( آل عمران : 97 ) كأنه قال : إلا من وجب عليه القصاص . ومثل قوله : لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ( المائدة : 95 ) ونهيه صلى الله عليه وسلم عن ، مع قوله تعالى : [ ص: 180 ] قتل صيد مكة يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين ( المائدة : 4 ) ، فجعل النهي فيمن اصطاده في الحرم ، وخص من اصطاده في الحل وأدخله حيا فيه .
الثالث : أن يكون أحد الظاهرين مستقلا بحكمه ; والآخر مقتضيا لفظا يزاد عليه ، فيقدم المستقل بنفسه عند المعارضة والترتيب ; كقوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة : 196 ) مع قوله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي ( البقرة : 196 ) ، وقد أجمعت الأمة على أن الهدي لا يجب بنفس الحصر ، وليس فيه صريح الإحلال بما يكون سببا له ، فيقدم المنع من الإحلال عند المرض بقوله : وأتموا الحج والعمرة لله ( البقرة : 196 ) على ما عارضه من الآية .
الرابع : أن يكون كل واحد من العمومين محمولا على ما قصد به في الظاهر عند الاجتهاد ، فيقدم ذلك على تخصيص كل واحد منهما من المقصود بالآخر ، كقوله : وأن تجمعوا بين الأختين ( النساء : 23 ) ، بقوله : وما ملكت أيمانكم ( النساء : 36 ) فيخص الجمع بملك اليمين بقوله تعالى : وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ( النساء : 23 ) فتحمل آية الجمع على العموم ، والقصد فيها بيان ما يحل وما يحرم ، وتحمل آية الإباحة على زوال اللوم فيمن أتى بحال .
الخامس : أن يكون تخصيص أحد الاستعمالين على لفظ تعلق بمعناه والآخر باسمه ، كقوله : شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم ( المائدة : 106 ) مع قوله تعالى : إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ( الحجرات : 6 ) الآية ; فيمكن أن يقال في الآية بالتبين عند شهادة الفاسق ، إذا كان ذلك من كافر على مسلم ، أو مسلم فاسق على كافر ، وأن يقبل الكافر على الكافر وإن كان فاسقا ، أو يحمل ظاهر قوله : أو آخران من غيركم ( المائدة : 106 ) على القبيلة دون الملة ، ويحمل الأمر بالتثبت على عموم النسيان في الملة ; لأنه رجوع إلى تعيين اللفظ وتخصيص الغير بالقبيلة ; لأنه رجوع إلى الاسم على عموم الغير .
السادس : ترجيح ما يعلم بالخطاب ضرورة على ما يعلم منه ظاهرا ، كتقديم قوله [ ص: 181 ] تعالى وأحل الله البيع ( البقرة : 275 ) على قوله : وذروا البيع ( الجمعة : 9 ) فإن قوله : ( وأحل ) يدل على حل البيع ضرورة ، ودلالة النهي على فساد البيع إما ألا تكون ظاهرة أصلا أو تكون ظاهرة منحطة عن النص .