وقد اختلف فيه على أقوال :
إحداها : وهو قول النظام : إن وكان مقدورا لهم ; لكن عاقهم أمر خارجي ، فصار كسائر المعجزات . الله صرف العرب عن معارضته وسلب عقولهم ،
[ ص: 227 ] وهو قول فاسد بدليل قوله تعالى : قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( الإسراء : 88 ) فإنه يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم ، ولو سلبوا القدرة لم يبق فائدة لاجتماعهم ، لمنزلته منزلة اجتماع الموتى ، وليس عجز الموتى بكبير يحتفل بذكره ، هذا مع أن الإجماع منعقد على إضافة الإعجاز إلى القرآن ، فكيف يكون معجزا غيره وليس فيه صفة إعجاز ; بل المعجز هو الله تعالى ، حيث سلبهم قدرتهم عن الإتيان بمثله .
وأيضا يلزم من القول بالصرفة فساد آخر ، وهو زوال الإعجاز بزوال زمان التحدي ; وخلو القرآن من الإعجاز ، وفي ذلك خرق لإجماع الأمة ; فإنهم أجمعوا على ولا معجزة له باقية سوى القرآن ، وخلوه من الإعجاز يبطل كونه معجزة . بقاء معجزة الرسول العظمى ،
قال القاضي أبو بكر : ومما يبطل القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة - وإنما منع منها الصرفة - لم يكن الكلام معجزا ، وإنما يكون المنع معجزا فلا يتضمن الكلام فضلا على غيره في نفسه .
( وليس هذا بأعجب مما ذهب إليه فريق منهم أن الكل قادرون على الإتيان بمثله ; وإنما تأخروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيب ، لو تعلموه لوصلوا إليه ، ولا بأعجب من قول فريق منهم : إنه لا فرق بين كلام البشر وكلام الله في هذا الباب ) . ( وزعم قوم أن ابن المقفع عارض القرآن ، وإنما وضع حكما ) .