[ ص: 229 ] السادس : وصححه ابن عطية وقال : إنه الذي عليه الجمهور والحذاق - وهو الصحيح في نفسه - وأن ، ووجه إعجازه أن الله تعالى قد أحاط بكل شيء علما ، وأحاط بالكلام كله علما ; فإذا ترتبت اللفظة من القرآن علم بإحاطته أي لفظة تصلح أن تلي الأولى ، ويتبين المعنى بعد المعنى ، ثم كذلك من أول القرآن إلى آخره . والبشر معهم الجهل والنسيان والذهول ، ومعلوم بالضرورة أن أحدا من البشر لا يحيط بذلك ، وبهذا يبطل قول من قال : إن العرب كان في قدرتها الإتيان بمثل القرآن ، فلما جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم صرفوا عن ذلك وعجزوا عنه . التحدي إنما وقع بنظمه ، وصحة معانيه ، وتوالي فصاحة ألفاظه
والصحيح أن ولهذا ترى البليغ ينقح الخطبة أو القصيدة حولا ، ثم ينظر فيها ، فيغير فيها ، وهلم جرا . وكتاب الله سبحانه لو نزعت منه لفظة ، ثم أدير لسان العرب على لفظة أحسن منها لم توجد . الإتيان بمثل القرآن لم يكن قط في قدرة أحد من المخلوقين ،
ونحن تتبين لنا البراعة في أكثره ، ويخفى علينا وجهها في مواضع ، لقصورنا عن مرتبة العرب يومئذ في سلامة الذوق ، وجودة القريحة .
وقامت الحجة على العالم بالعرب ; إذ كانوا أرباب الفصاحة ومظنة المعارضة ، كما قامت الحجة في معجزة عيسى بالأطباء ، ومعجزة موسى بالسحرة ، فإن الله تعالى إنما جعل معجزات الأنبياء بالوجه الشهير أبرع ما تكون في زمن النبي الذي أراد إظهاره فكان السحر في مدة موسى عليه السلام قد انتهى إلى غايته ، وكذا الطب في زمان عيسى ، والفصاحة في مدة محمد صلى الله عليه وسلم .