فصل
اعلم ، فقال : أنه سبحانه تحداهم أولا في الإتيان بمثله قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ( الإسراء : 88 ) ثم تحداهم بعشر سور منه وقطع عذرهم بقوله : قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات ( هود : 13 ) وإنما قال : ( مفتريات ) من أجل أنهم قالوا : لا علم لنا بما فيه من الأخبار الخالية ، والقصص البالغة ، فقيل لهم : ( مفتريات ) إزاحة لعللهم ، وقطعا لأعذارهم ، فعجزوا ، فردهم من العشر إلى سورة واحدة من مثله ، مبالغة في التعجيز لهم ، فقال : وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ( البقرة : 23 ) أي يشهدون لكم أنها في نظمه وبلاغته وجزالته ; فعجزوا .
فقال تعالى : فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا ( البقرة : 24 ) مبالغة في التعجيز وإفحاما لهم : فاتقوا النار ( البقرة : 24 ) وهذه مبالغة في الوعيد ، مع أن اللغة لغتهم ، والكلام كلامهم ، وناهيك بذلك أن الوليد بن المغيرة لعنه الله كان سيد قريش ، وأحد فصحائهم لما سمعه أخرس لسانه ، وبلد جنانه ، وأطفئ بيانه ، وقطعت حجته ، وقصم ظهره ، وظهر عجزه ، وذهل عقله ، حتى قال : قد عرفنا الشعر كله هزجه ورجزه وقريضه ، [ ص: 240 ] ومقبوضه ومبسوطه ، فما هو بالشعر ، قالت له قريش : فساحر ؟ قال : وما هو بساحر ، قد رأينا السحار وسحرهم ، فما هو بنفثه ولا عقده ، والله إن لقوله لحلاوة ، وإن عليه لطلاوة ، وإن أسفله لمغدق ، وإن أعلاه لمثمر ، وإنه ليعلو ولا يعلى ، سمعت قولا يأخذ القلوب . قالوا : مجنون ؟ قال : لا والله ما هو بمجنون ، ولا بخنقه ولا بوسوسته ولا رعشته ، قالوا : كاهن ؟ قال : قد رأينا الكهان فما هو بزمزمة الكهان ولا بسجعهم . ثم حملته الحمية فنكص على عقبيه وكابر حسه ، فقال : إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر ( المدثر : 24 و 25 )