[ ص: 270 ] النوع الثامن في خواتم السور
وهي مثل الفواتح في الحسن : لأنها آخر ما يقرع الأسماع ; فلهذا جاءت متضمنة للمعاني البديعة ; مع إيذان السامع بانتهاء الكلام حتى يرتفع معه تشوف النفس إلى ما يذكر بعد .
ومن أوضحه خاتمة سورة " إبراهيم " : ( هذا بلاغ للناس ) ( إبراهيم : 52 ) ، وخاتمة سورة الأحقاف : ( بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ) ( الأحقاف : 35 ) ، ولأنها بين أدعية ووصايا وفرائض ومواعظ وتحميد وتهليل ، ووعد ووعيد ، إلى غير ذلك ، كتفصيل جملة المطلوب في خاتمة فاتحة الكتاب ; إذ المطلوب الأعلى الإيمان المحفوظ من المعاصي المسببة لغضب الله والضلال ; ففصل جملة ذلك بقوله : ( الذين أنعمت عليهم ) ( الفاتحة : 7 ) ، والمراد " المؤمنين " ; ولذلك أطلق الإنعام ولم يقيده ; ليتناول كل إنعام ; لأن من أنعم الله عليه بنعمة الإيمان فقد أنعم عليه بكل نعمة ; لأن نعمة الإيمان مستتبعة لجميع النعم ; ثم وصفهم بقوله : ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) ( الفاتحة : 7 ) ، يعني أنهم جمعوا بين النعم المطلقة وهي نعمة الإيمان ، وبين السلامة من غضب الله والضلال المسببين عن معاصيه وتعدي حدوده .
وكالدعاء الذي اشتملت عليه الآيتان من آخر سورة " البقرة " ( الآيتان : 285 - 286 ) .
وكالوصايا التي ختمت بها سورة " آل عمران " ( الآية : 200 ) ، بالصبر على تكاليف الدين ، والمصابرة لأعداء الله في الجهاد ، ومعاقبتهم ، والصبر على شدائد الحرب ، والمرابطة في [ ص: 271 ] الغزو المحضوض عليها بقوله : ( ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم ) ( الأنفال : 60 ) ، والتقوى الموعود عليها بالتوفيق في المضايق وسهولة الرزق في قوله : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ) ( الطلاق : 2 و 3 ) وبالفلاح ; لأن ( لعل ) من الله واجبة .
وكالوصايا والفرائض التي ختمت بها سورة " النساء " ( الآية : 176 ) ، وحسن الختم بها ; لأنها آخر ما نزل من الأحكام عام حجة الوداع .
وكالتبجيل والتعظيم الذي ختمت به " المائدة " : ( لله ملك السماوات والأرض وما فيهن وهو على كل شيء قدير ) ( المائدة : 120 ) ، ولإرادة المبالغة في التعظيم اختيرت " ما " على " من " ; لإفادة العموم ، فيتناول الأجناس كلها .
وكالوعد والوعيد الذي ختمت به سورة " الأنعام " بقوله : ( إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم ) ( الأنعام : 165 ) ، ولذلك أورد على وجه المبالغة في وصف العقاب بالسرعة وتوكيد الرحمة ، بالكلام المفيد لتحقيق الوقوع .
وكالتحريض على العبادة بوصف حال الملائكة الذي ختمت به سورة " الأعراف " ( الآية : 206 ) ، والحض على الجهاد وصلة الأرحام ، الذي ختم به " الأنفال " ( الآية : 75 ) .
ووصف الرسول ومدحه ، والاعتداد على الأمم به ، وتسليمه ووصيته ، والتهليل الذي ختمت به " براءة " ( التوبة : 129 ) .
وتسليته عليه الصلاة والسلام الذي ختم بها سورة " يونس " ( الآية : 109 ) ، ومثلها خاتمة " هود " ( الآية : 123 ) ، ووصف القرآن ومدحه الذي ختم به سورة " يوسف " ( الآية : 111 ) .
والرد على من كذب الرسول الذي ختم به الرعد ( الآية : 43 ) . ومدح القرآن وذكر فائدته والعلة في أنه إله واحد الذي ختمت به " إبراهيم " ( الآية : 52 ) ، ووصيته الرسول التي ختم بها " الحجر " ( الآية : 99 ) .
وتسلية الرسول بطمأنينته ، ووعد الله سبحانه الذي ختمت به " النحل " ( الآية : 128 ) ، والتحميد الذي ختمت به " سبحان " ( الإسراء : 111 ) .
وتحضيض الرسول على البلاغ والإقرار بالتنزيه ، والأمر بالتوحيد الذي ختمت به " الكهف " ( الآية : 110 ) .
وقد أتينا على نصف القرآن ليكون مثالا لمن نظر في بقيته .