والقائلون بأنها كانت سبعا ، اختلفوا على أقوال :
أحدها : أنه من المشكل الذي لا يدرى معناه ; لأن العرب تسمي الكلمة المنظومة حرفا ، وتسمي القصيدة بأسرها كلمة ، والحرف يقع على المقطوع من الحروف المعجمة ، والحرف أيضا المعنى والجهة ، قاله أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي .
والثاني - وهو أضعفها - : أن ، وحكي عن المراد سبع قراءات . والحرف هاهنا القراءة ، وقد بين الخليل بن أحمد في كتاب " البيان " وغيره أن اختلاف القراء إنما هو كله حرف واحد من الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن ، وهو الحرف الذي كتب عثمان عليه المصحف . الطبري
[ ص: 306 ] وحكى عن بعض المتأخرين من أهل العلم بالقرآن أنه قال : تدبرت وجوه الاختلاف في القرآن فوجدتها سبعة : 1 - منها ما تتغير حركته ، ولا يزول معناه ، ولا صورته ، مثل : ( ابن عبد البر هن أطهر لكم ) ( هود : 78 ) ، و ( أطهر لكم ) ، و ( ويضيق صدري ) ( الشعراء : 13 ) .
2 - ومنها ما يتغير معناه ، ويزول بالإعراب ، ولا تتغير صورته ، كقوله : ( ربنا باعد بين أسفارنا ) ( سبأ : 19 ) ، و ( ربنا باعد بين أسفارنا ) .
3 - ومنها ما يتغير معناه بالحروف واختلافها ، ولا تتغير صورته كقوله : ( كيف ننشزها ) ( البقرة : 259 ) ، و ( ننشزها ) .
4 - ومنها ما تتغير صورته ولا يتغير معناه : ( كالعهن المنفوش ) ( القارعة : 5 ) ، و " الصوف المنفوش " .
5 - ومنها ما تتغير صورته ومعناه ، مثل : ( وطلح منضود ) ( الواقعة : 29 ) ، وطلع .
6 - ومنها بالتقديم والتأخير كـ : ( وجاءت سكرة الموت بالحق ) ( ق : 19 ) ، و " سكرة الحق بالموت " .
[ ص: 307 ] 7 - ومنها الزيادة والنقصان ، مثل : " حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر " . وقراءة " تسع وتسعون نعجة أنثى " ، و " أما الغلام فكان أبواه مؤمنين وكان كافرا " ، قال ابن مسعود أبو عمرو : وهذا وجه حسن من وجوه معنى الحديث .
وقال بعض المتأخرين : " هذا هو المختار " . قال : " والأئمة على أن مصحف عثمان أحد الحروف السبعة " ، والآخر مثل قراءة ابن مسعود : " وأبي الدرداء الذكر والأنثى " ( الليل : 3 ) ، كما ثبت في " الصحيحين " ، ومثل قراءة : ( ابن مسعود إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم ) ( المائدة : 118 ) ، وقراءة عمر : " فامضوا إلى ذكر الله " ، والكل حق ، والمصحف المنقول بالتواتر مصحف عثمان ، ورسم الحروف واحد إلا ما تنوعت فيه المصاحف ; وهو بضعة عشر حرفا ، مثل : " الله الغفور " و " إن الله هو الغفور " .
والثالث : سبعة أنواع ، كل نوع منها جزء من أجزاء القرآن بخلاف غيره من أنحائه ، [ ص: 308 ] فبعضها أمر ونهي ، ووعد ووعيد ، وقصص ، وحلال وحرام ، ومحكم ومتشابه ، وأمثال وغيره .
قال : وفي ذلك ابن عبد البر مرفوعا قال : " كان الكتاب الأول نزل من باب واحد على وجه واحد ، ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف : زاجر ، وآمر ، وحلال ، وحرام ، ومحكم ، ومتشابه ، وأمثال ، فأحلوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واعتبروا بأمثاله ، وآمنوا بمتشابهه ، وقولوا : ( ابن مسعود آمنا به كل من عند ربنا ) ( آل عمران : 7 ) ، قال وهو حديث عند أهل العلم لا يثبت ، وهو مجمع على ضعفه . حديث رواه
وذكره القاضي وقال : هذا التفسير منه صلى الله عليه وسلم للأحرف السبعة ، ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها ، وإنما الحرف في هذه بمعنى الجهة والطريقة ، كقوله : ( أبو بكر بن الطيب ، ومن الناس من يعبد الله على حرف ) ( الحج : 11 ) .
وقال : قد رده من أهل النظر ، منهم ابن عبد البر قال : من أوله بهذا فهو فاسد ; لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه ، أو يكون حلالا لا ما سواه ; لأنه لا يجوز أن يكون القرآن يقرأ على أنه حلال كله ، أو حرام كله ، أو أمثال كله . قال : حكاه أحمد بن أبي عمران عنه أنه سمعه منه ، وقال : هو كما قاله . الطحاوي
وقال ابن عطية : هذا القول ضعيف ; لأن هذه لا تسمى أحرفا ، وأيضا فالإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا تحليل حرام ، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة .
[ ص: 309 ] وقال الماوردي : هذا القول خطأ ; لأنه - صلى الله عليه وسلم - أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف ، وإبدال حرف بحرف ، وقد أجمع المسلمون على تحريم إبدال آية أمثال بآية أحكام .
وقال البيهقي في " المدخل " وقد روي هذا عن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : هذا مرسل جيد ، ابن مسعود ، وأبو سلمة لم يدرك ثم ساقه بإسقاط ابن مسعود ، ثم قال : فإن صح هذا فمعنى قوله ( سبعة أحرف ) أي : سبعة أوجه ، وليس المراد به ما ورد في الحديث الآخر من نزول القرآن على سبعة أحرف ، ولكن المراد به اللغات التي أبيحت القراءة عليها ، وهذا المراد به الأنواع التي نزل القرآن عليها . ابن مسعود ،
والرابع : أن المراد سبع لغات لسبع قبائل من العرب ; وليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه ، هذا ما لم يسمع قط ، أي : نزل على سبع لغات متفرقة في القرآن ، فبعضه نزل بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل ، وبعضه بلغة تميم ، وبعضه بلغة أزد وربيعة ، وبعضه بلغة هوازن وسعد بن بكر ، وكذلك سائر اللغات ; ومعانيها في هذا كله واحدة ، وإلى هذا ذهب أبو عبيد القاسم بن سلام وأحمد بن يحيى ثعلب ، وحكاه عن ابن دريد وحكاه بعضهم عن أبي حاتم السجستاني ، القاضي أبي بكر .
وقال الأزهري في " التهذيب " : " إنه المختار ، واحتج بقول عثمان حين أمرهم بكتب [ ص: 310 ] المصاحف : وما اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلغة قريش ; فإنه أكثر ما نزل بلسانهم .
وقال البيهقي في " شعب الإيمان " : إنه الصحيح ; أي المراد اللغات السبع ، التي هي شائعة في القرآن ، واحتج بقول : سمعت القراء فوجدتهم متقاربين ، اقرءوا كما علمتم ، وإياكم والتنطع ، فإنما هو كقول أحدهم : هلم ، وتعال ، وأقبل . قال : وكذلك قال ابن مسعود قال : لكن إنما تجوز قراءته على الحروف التي هي مثبتة في المصحف الذي هو الإمام بإجماع الصحابة ، وحملوها عنهم دون غيرها من الحروف ، وإن كانت جائزة في اللغة ; وكأنه يشير إلى أن ذلك كان عند إنزاله ، ثم استقر الأمر على ما أجمعوا عليه في الإمام " . ابن سيرين
وأنكر ابن قتيبة وغيره هذا القول ، وقالوا : لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش ; لقوله تعالى : وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( إبراهيم : 4 ) .
قال ابن قتيبة : ولا نعرف في القرآن حرفا واحدا يقرأ على سبعة أوجه .
وغلطه بحروف منها : ابن الأنباري وعبد الطاغوت ( المائدة : 60 ) ، وقوله : [ ص: 311 ] أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ( يوسف : 12 ) ، وقوله : باعد بين أسفارنا ( سبأ : 19 ) ، وقوله : بعذاب بئيس ( الأعراف : 165 ) ، وغير ذلك .
وقال : قد أنكر أهل العلم أن يكون معنى " سبعة أحرف " " سبع لغات " ; لأنه لو كان كذلك لم ينكر القوم بعضهم على بعض في أول الأمر ; لأن ذلك من لغته التي طبع عليها ، وأيضا فإن ابن عبد البر عمر بن الخطاب كلاهما قرشي ، وقد اختلفت قراءتهما ، ومحال أن ينكر عليه عمر لغته . وهشام بن حكيم
ثم اختلف القائلون بهذا في تعيين السبع فأكثروا ، وقال بعضهم : أصل ذلك وقاعدته قريش ، ثم بنو سعد بن بكر ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استرضع فيهم ، ونشأ وترعرع ، وهو مخالط في اللسان كنانة وهذيلا وثقيفا وخزاعة ، وأسدا وضبة وألفافها ، لقربهم من مكة وتكرارهم عليها ، ثم من بعد هذه تميما وقيسا ، ومن انضاف إليهم وسكن جزيرة العرب .
قال قاسم بن ثابت : إن قلنا من الأحرف لقريش ومنها فلكنانة ولأسد وهذيل وتميم وضبة وألفافها وقيس ، لكان قد أتى على قبائل مضر في قراءات سبع تستوعب اللغات التي نزل بها القرآن ، وهذه الجملة هي التي انتهت إليها الفصاحة ، وسلمت لغاتها من [ ص: 312 ] الدخل ، ويسرها الله لذلك ، ليظهر آية نبيه بعجزها عن معارضة ما أنزل عليه ، ويثبت سلامتها أنها في وسط جزيرة العرب في الحجاز ونجد وتهامة ، فلم تفرقها الأمم .
وقيل : هذه اللغات السبع كلها في مضر ، واحتجوا بقول عثمان : " نزل القرآن بلسان مضر " قالوا : وجائز أن يكون منها لقريش ، ومنها لكنانة ، ومنها لأسد ، ومنها لهذيل ، ومنها لضبة ولطابخة ، فهذه قبائل مضر تستوعب سبع لغات وتزيد .
قال : وأنكر آخرون كون كل لغات أبو عمر بن عبد البر مضر في القرآن ; لأن فيها شواذ لا يقرأ بها ، مثل كشكشة قيس ، وعنعنة تميم ; فكشكشة قيس يجعلون كاف المؤنث شينا فيقولون في جعل ربك تحتك سريا ( مريم : 24 ) : " ربش تحتش " ، وعنعنة تميم ، ويقولون في " أن " : " عن " ; فيقرءون " فعسى الله عن يأتي بالفتح " وبعضهم يبدل السين تاء ، فيقول في الناس : " النات " ، وهذه لغات يرغب بالقرآن عنها .
وما نقل عن عثمان معارض بما سبق أنه نزل بلغة قريش ; وهذا أثبت عنه ; لأنه من رواية ثقات أهل المدينة .
وقد يشكل هذا القول على بعض الناس فيقول : جبريل - عليه السلام - يلفظ باللفظ الواحد سبع مرات ؟ فيقال له : إنما يلزم هذا إن قلنا : إن السبعة الأحرف تجتمع في حرف واحد ، ونحن قلنا : كان هل كان جبريل يأتي في كل عرضة بحرف إلى أن تمر سبعة .
وقال الكلبي : خمسة منها لهوازن ، وثنتان لسائر الناس .
[ ص: 313 ] والخامس : المراد سبعة أوجه من المعاني المتفقة ، بالألفاظ المختلفة ; نحو : أقبل ، وهلم ، وتعال ، وعجل ، وأسرع ، وأنظر ، وأخر ، وأمهل ونحوه ، وكاللغات التي في " أف " ونحو ذلك .
قال : وعلى هذا القول أكثر أهل العلم ، وأنكروا على من قال : إنها لغات ; لأن العرب لا تركب لغة بعضها بعضا ومحال أن يقرئ النبي - صلى الله عليه وسلم - أحدا بغير لغته ، وأسند عن ابن عبد البر أنه كان يقرأ : أبي بن كعب كلما أضاء لهم مشوا فيه ( البقرة : 20 ) ، سعوا فيه ، قال : فهذا معنى السبعة الأحرف المذكورة في الأحاديث عند جمهور أهل الفقه والحديث ، منهم سفيان بن عيينة ، وابن وهب ، ومحمد بن جرير الطبري ، وغيرهم ، وفي مصحف والطحاوي عثمان الذي بأيدي الناس منها حرف واحد .
وقال : إنما هذه الأحرف في الأمر الواحد ، وليست تختلف في حلال ولا حرام . الزهري
واحتج بحديث ابن عبد البر سليمان بن صرد ، قال : " قرأ أبي بن كعب أبي آية ، وقرأ آية خلافها ، وقرأ رجل آخر خلافهما ، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت : ألم تقرأ آية كذا ؟ وقال ابن مسعود : ألم تقرأ آية كذا ؟ فقال : كلكم محسن مجمل ، وقال : يا أبي ، إني أقرئت القرآن ، فقلت : على حرف أو حرفين ؟ فقال لي الملك : على حرفين . فقلت : على حرفين أو ثلاثة ؟ فقال : على ثلاثة ، هكذا حتى بلغ سبعة أحرف ، ليس فيها إلا شاف كاف . قلت : غفورا رحيما ، أو قلت : سميعا حكيما ، أو قلت : عليما حكيما ، أو قلت : عزيزا حكيما ، أي ذلك قلت فإنه كذلك ابن مسعود . عن
[ ص: 314 ] قال أبو عمر : " إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها أنها معان متفق مفهومها ، مختلف مسموعها ، لا يكون في شيء منها معنى وضده ، ولا وجه يخالف معنى وجه خلافا ينفيه ويضاده ; كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده " .
" وكذلك حديث أبي بكرة قال : جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : اقرأ على حرف ، فقال ميكائيل : استزده ، فقال : على حرفين ، فقال ميكائيل : استزده ، حتى بلغ إلى سبعة أحرف ، فقال : اقرأه ; فكل شاف كاف ، إلا أن تخلط آية رحمة بآية عذاب ، وآية عذاب بآية رحمة ، نحو : هلم ، وتعال ، وأقبل ، واذهب ، وأسرع ، وعجل " . جاء
وروي ذلك عن ابن مسعود أنه كان يقرأ : وأبي بن كعب ، للذين آمنوا انظرونا ( الحديد : 13 ) أمهلونا ، أخرونا ، ارقبونا ، و كلما أضاء لهم مشوا فيه ( البقرة : 20 ) مروا فيه ، سعوا فيه .
قال أبو عمر : " إلا أن مصحف عثمان الذي بأيدي الناس اليوم هو فيها حرف واحد ، وعلى هذا أهل العلم " .
قال : " وذكر ابن وهب في كتاب الترغيب من " جامعه " قال : قيل لمالك : أترى أن تقرأ مثل ما قرأ : " فامضوا إلى ذكر الله " ؟ قال : جائز ; قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : عمر بن الخطاب أنزل القرآن على سبعة أحرف ; فاقرءوا ما تيسر منه ومثل : يعلمون وتعلمون ؟ قال مالك : لا أرى باختلافهم بأسا ، وقد كان الناس ولهم [ ص: 315 ] مصاحف .
قال ابن وهب : سألت مالكا عن مصحف عثمان ، فقال لي : ذهب . وأخبرني مالك قال : أقرأ رجلا عبد الله بن مسعود إن شجرة الزقوم طعام الأثيم ( الدخان : 43 و 44 ) فجعل الرجل يقول : " طعام اليتيم " فقال : طعام الفاجر ، فقلت لمالك : أترى أن يقرأ بذلك ؟ قال : نعم ، أرى أن ذلك واسعا .
قال أبو عمر : معناه عندي أن يقرأ به في غير الصلاة ; وإنما لم تجز القراءة به في الصلاة ; لأن ما عدا مصحف عثمان لا يقطع عليه ; وإنما يجرى مجرى خبر الآحاد لكنه لا يقدم أحد على القطع في رده .
وقال مالك - رحمه الله - فيمن قرأ في صلاة بقراءة وغيره من الصحابة ، مما يخالف المصحف : لم يصل وراءه . ابن مسعود
قال : وعلماء مكيون مجمعون على ذلك ، إلا شذوذا لا يعرج عليه منهم وهذا كله يدل على أن السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدي الناس منها إلا حرف الأعمش ، الذي جمع زيد بن ثابت عثمان عليه المصاحف .
السادس : أن ذلك راجع إلى بعض الآيات مثل قوله : أف لكم فهذا على سبعة أوجه بالنصب والجر والرفع ، وكل وجه بالتنوين وغيره ، وسابعها الجزم ، ومثل قوله : ( تساقط عليك ) ( مريم : 25 ) ، ونحوه ، ويحتمل في القرآن تسعة - أوجه ، ولا يوجد ذلك في عامة الآيات .
[ ص: 316 ] قال : " وأجمعوا على أن القرآن لا يجوز في حروفه وكلماته وآياته كلها أن تقرأ على سبعة أحرف ; ولا شيء منها ولا يمكن ذلك فيها ، بل لا يوجد في القرآن كلمة تحتمل أن تقرأ على سبعة أوجه إلا قليل ، مثل : ابن عبد البر وعبد الطاغوت ( المائدة : 60 ) و ( تشابه علينا ) ( البقرة : 70 ) ، و ( بعذاب بئيس ) ( الأعراف : 165 ) ، ونحوه وذلك ليس هذا " .
وقال الشيخ شهاب الدين أبو شامة : " وهذا المجموع في المصحف : هل هو جميع الأحرف السبعة التي أقيمت القراءة عليها ؟ أو حرف واحد منها ؟ ميل القاضي أبي بكر إلى أنه جميعها ، وصرح والأكثرون من بعده بأنه حرف منها ، ومال الشيخ أبو جعفر الطبري الشاطبي إلى قول القاضي فيما جمعه أبو بكر ، وإلى قول فيما جمعه الطبري عثمان - رضي الله عنه - .
والسابع : اختاره القاضي أبو بكر ، وقال : الصحيح أن هذه الأحرف السبعة ظهرت واستفاضت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وضبطها عنه الأئمة ، وأثبتها عثمان والصحابة في المصحف ، وأخبروا بصحتها ، وإنما حذفوا منها ما لم يثبت متواترا ، وأن هذه الأحرف تختلف معانيها تارة وألفاظها أخرى ، وليست متضادة ولا منافية .
والثامن : قول " أن ذلك كان في وقت خاص لضرورة دعت إليه ; لأن كل ذي لغة كان يشق عليه أن يتحول عن لغته ، ثم لما كثر الناس والكتاب ارتفعت تلك الضرورة ، فارتفع حكم الأحرف السبعة ، وعاد ما يقرأ به إلى حرف واحد " . الطحاوي
والتاسع : أن المراد علم القرآن يشتمل على سبعة أشياء : [ ص: 317 ] 1 - علم الإثبات والإيجاد ; كقوله تعالى : إن في خلق السماوات والأرض ( آل عمران : 190 ) .
2 - وعلم التوحيد ; كقوله تعالى : قل هو الله أحد ( الإخلاص : 1 ) ، وإلهكم إله واحد ( البقرة : 163 ) ، وعلم التنزيه ; كقوله : أفمن يخلق كمن لا يخلق ( النحل : 17 ) ، ليس كمثله شيء ( الشورى : 11 ) .
3 - وعلم صفات الذات ; كقوله : ولله العزة ( المنافقون : 8 ) ، ( الملك القدوس ) ( الجمعة : 1 ) .
4 - وعلم صفات الفعل ; كقوله : ( واعبدوا الله ) ( النساء : 36 ) ، ( واتقوا الله ) ( النساء : 1 ) ، ( وأقيموا الصلاة ) ( البقرة : 43 ) ، ( لا تأكلوا الربا ) ( آل عمران : 130 ) .
5 - وعلم العفو والعذاب ، كقوله : ومن يغفر الذنوب إلا الله ( آل عمران : 135 ) ، نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم ( الحجر : 49 و 50 ) .
6 - وعلم الحشر والحساب ، كقوله : ( إن الساعة لآتية ) ( غافر : 59 ) ، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ( الإسراء : 14 ) .
7 - وعلم النبوات كقوله : رسلا مبشرين ومنذرين ( النساء : 165 ) ، وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ( إبراهيم : 4 ) ، والإمامات كقوله : ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( النساء : 59 ) ، ومن يشاقق الرسول ( النساء : 115 ) ، كنتم خير أمة ( آل عمران : 110 ) .
والعاشر : أن المراد سبعة أشياء : المطلق والمقيد ، والعام والخاص ، والنص والمئول ، والناسخ والمنسوخ ، والمجمل والمفسر ، والاستثناء وأقسامه ، حكاه أبو المعالي بسند له عن أئمة الفقهاء .
[ ص: 318 ] والحادي عشر : حكاه عن أهل اللغة أن المراد الحذف والصلة ، والتقديم والتأخير ، والقلب والاستعارة ، والتكرار ، والكناية والحقيقة والمجاز ، والمجمل والمفسر ، والظاهر والغريب .
والثاني عشر : وحكاه عن النحاة ، أنها التذكير والتأنيث ، والشرط والجزاء ، والتصريف والإعراب ، والأقسام وجوابها ، والجمع والتفريق ، والتصغير والتعظيم ، واختلاف الأدوات مما يختلف فيها بمعنى ، وما لا يختلف في الأداء واللفظ جميعا .
والثالث عشر : حكاه عن القراء أنها من طريق التلاوة وكيفية النطق بها : من إظهار وإدغام ، وتفخيم وترقيق ، وإمالة وإشباع ، ومد وقصر ، وتخفيف وتليين ، وتشديد .
والرابع عشر : وحكاه عن الصوفية ; أنه يشتمل على سبعة أنواع من المبادلات والمعاملات ، وهي : الزهد والقناعة مع اليقين ، والحزم والخدمة مع الحياء ، والكرم والفتوة مع الفقر ، والمجاهدة والمراقبة مع الخوف والرجاء ، والتضرع والاستغفار مع الرضا ، والشكر والصبر مع المحاسبة ، والمحبة والشوق مع المشاهدة .
وقال : قيل : أقرب الأقوال إلى الصحة أن المراد به سبع لغات ، والسر في إنزاله على سبع لغات تسهيله على الناس ; لقوله : ابن حبان ولقد يسرنا القرآن للذكر ( القمر : 17 ) ، فلو كان تعالى أنزله على حرف واحد لانعكس المقصود ، قال : وهذه السبعة التي نتداولها اليوم غير تلك ، بل هذه حروف من تلك الأحرف السبعة ، وتلك الأحرف كانت مشهورة ، وذكر حديث عمر مع ، لكن لما خافت الصحابة من اختلاف القرآن رأوا جمعه على حرف واحد من تلك الحروف السبعة ، ولم يثبت من وجه صحيح تعين كل حرف من هذه الأحرف ; ولم يكلفنا الله ذلك ; غير أن هذه القراءة الآن غير خارجة عن الأحرف السبعة . هشام بن حكيم
وقال بعض المتأخرين : الأشبه بظواهر الأحاديث أن المراد بهذه الأحرف اللغات ; وهو [ ص: 319 ] أن يقرأ كل قوم من العرب بلغتهم وما جرت عليه عادتهم من الإظهار والإدغام والإمالة والتفخيم والإشمام والهمز والتليين والمد ، وغير ذلك من وجوه اللغات إلى سبعة أوجه منها في الكلمة الواحدة ، فإن الحرف هو الطرف والوجه ، كما قال تعالى : ومن الناس من يعبد الله على حرف ( الحج : 11 ) أي : على وجه واحد ; وهو أن يعبده في السراء دون الضراء ، وهذه الوجوه هي القراءات السبع التي قرأها القراء السبعة ; فإنها كلها صحت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الذي جمع عليه عثمان في المصحف ، وهذه القراءات السبع اختيارات أولئك القراء ، فإن كل واحد اختار فيما روى وعلم وجهه من القراءة ما هو الأحسن عنده والأولى ، ولزم طريقة منها ورواها ، وقرأ بها واشتهرت عنه ، ونسبت إليه ، فقيل : حرف نافع ، وحرف ابن كثير ، ولم يمنع واحد منهم حرف الآخر ولا أنكره ، بل سوغه وحسنه ، وكل واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران وأكثر ، وكل صحيح .
وقد أجمع المسلمون في هذه الأعصار على الاعتماد على ما صح عنهم ، وكان الإنزال على الأحرف السبعة توسعة من الله ورحمة على الأمة ، إذ لو كلف كل فريق منهم ترك لغته والعدول عن عادة نشأوا عليها من الإمالة والهمز والتليين والمد وغيره لشق عليهم .
ويشهد لذلك ما رواه الترمذي أنه لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي بن كعب ، جبريل فقال : يا جبريل ، إني بعثت إلى أمة أميين ; منهم العجوز ، والشيخ الكبير ، والغلام ، والجارية ، والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط . فقال : يا محمد ، إن القرآن أنزل على سبعة أحرف وقال : حسن صحيح . عن