20629 أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن ، عن رجل من يحيى بن أبي كثير أهل الشام أنه دخل على أبي ذر وهو يوقد تحت قدر من حطب قد أصابه مطر ودموعه تسيل ، فقالت امرأته : قد كان لك عن هذا مندوحة لو شئت لكفيت ، فقال أبو ذر : " وهذا عيشي ، فإن رضيت وإلا فتحت كنف الله " ، قال : فكأنما ألقمها حجرا ، حتى إذا نضج ما في قدره ، جاء بصحفة له ، فكسر فيها خبزة له غليظة ، ثم جاء بالذي في القدر فكدره عليه ، ثم جاء به إلى امرأته ، ثم قال لي : " ادن " فأكلنا ، ثم أمر جاريته أن تسقينا فسقتنا [ ص: 312 ] مذقة من لبن معز له ، فقلت : يا أبا ذر ، لو اتخذت في بيتك شيئا ، فقال : " يا عبد الله ، ؟ أليس هذا مثال نفترشه ، وعباءة نبتسطها ، وكساء نلبسه ، وبرمة نطبخ فيها ، وصحفة نأكل فيها ، ونغسل فيها رءوسنا ، وقدح نشرب فيه ، وعكة فيها زيت أو سمن ، وغرارة فيها دقيق ؟ فتريد لي من الحساب أكثر من هذا ؟ " ، قلت : فأين عطاؤك أربعمائة دينار ؟ وأنت في شرف من العطاء ، فأين يذهب ؟ فقال : " أما إني لن أعمي عليك ، لي في هذه القرية ثلاثون فرسا ، فإذا خرج عطائي اشتريت لها علفا ، وأرزاقا لمن يقوم عليها ، ونفقة لأهلي ، فإن بقي منه شيء اشتريت به فلوسا ، فجعلته عند نبطي هاهنا ، فإن احتاج أهلي إلى لحم أخذوا منه ، وإن احتاجوا إلى شيء أخذوا منه ، ثم أحمل عليها في سبيل الله ، فهذا سبيل عطائي ، ليس عند أتريد لي من الحساب أكثر من هذا أبي ذر دينار ولا درهم " .