وحديث أبي موسى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثل معنى حديث علي عنه في ذلك سواء ، وكلاهما حديث [ ص: 113 ] ثابت صحيح .
ذكر قال : حدثنا البخاري محمد بن يوسف ، حدثنا سفيان ، عن عن قيس بن مسلم ، عن طارق بن شهاب ، أبي موسى ، قال : باليمن ، فجئت وهو بالبطحاء ، فقال : بم أهللت ؟ قلت أهللت بإهلال كإهلال النبي صلى الله عليه ، قال : هل معك هدي ؟ قلت : لا ، وذكر الحديث . بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى قومي
ففي هذين الحديثين أن عليا وأبا موسى لم ينويا شيئا معينا من حج مفرد ، ولا عمرة ، ولا قران ، وإنما أهلا محرمين ، وعلقا النية في عملهما بما نواه وعمله غيرهما ، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فدل ذلك والله أعلم على أن ليس النية في الإحرام بالحج ، ألا ترى أن الدخول في الصلاة مفتقر إلى القول والنية جميعا ، وهو التكبير واعتقاد تعيين الصلاة بعينها ، وليس الحج كذلك ; لأنه يصح عندهم بالنية دون التلبية ، ألا ترى أن الحج قد يدخل فيه بغير التلبية من الأعمال ، مثل إشعار الهدي ، والتوجه نحو البيت إذا نوى بذلك الإحرام ، ومثل أن يقول : قد أحرمت بالحج ، أو بالعمرة أو نحو ذلك ، ولا يصح الإحرام في الصلاة إلا بالتكبير ، فلهذا جاز كالنية في الإحرام بالصلاة ويصحح ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نقل الإحرام في الحج من شيء إلى مثله من لم يكن معه هدي ، فليجعلها عمرة فأجاز أن يدخل فيه بوجه ويصرفه إلى غيره ، ولهذا قال : إنه يدخل فيه الصغير ثم يبلغ ، فيبني على ذلك في عمله إذا صح له الوقوف بعرفة ; لأنه أصل الحج الذي يبنى عليه ما سواه منه ، والكلام في هذه المسألة يطول ، وفيما لوحنا به مقنع إن شاء الله .
[ ص: 114 ] وقد ذكر الربيع في كتاب عن البويطي قال : ولو الشافعي لم يكن حاجا ولا معتمرا ، ولو لبى رجل ولم ينو حجا ولا عمرة ، كان حجه تاما ، واحتج بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم - نوى ولم يحرم حتى قضى المناسك الأعمال بالنية قال : ومن فعل مثل ما فعل علي - رضي الله عنه - حين أهل على إهلال النبي - صلى الله عليه وسلم - أجزأته تلك النية لأنها وقعت على نية لغيره قد تقدمت .
قال أبو عمر : فإن لم يكن العبد أحرم ولا الصبي ، أو كان ذمي دخل مكة وهو كرى لبعض الحاج ، فرزق الإسلام ، فأسلم وهو بعرفة أو بمكة قبل عرفة ، فإنه يحرم بالحج إن أراد الحج من مكة ، أو بعرفة ، فإن بعرفة قبل طلوع الفجر من ليلة النحر ، فقد أدرك الحج ، ويجزيه ذلك من حجة الإسلام ، ولا دم عليه في قول أدرك الوقوف مالك ، وقال أبو حنيفة ، : عليه دم لترك الميقات ، وحجه تام ، وسيأتي القول في النية بالحج عند ذكر التلبية به في حديث والشافعي نافع عن من كتابنا هذا إن شاء الله عز وجل . ابن عمر
إبراهيم بن أبي عبلة
قيل إنه عقيلي من إبراهيم بن أبي عبلة أبو إسحاق ، وقد قيل أبو إسماعيل ، بني عقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وقد قيل إنه تميمي ، فالله أعلم .
[ ص: 115 ] واسم أبي عبلة شمير بن يقظان بن المرتحل ، معدود في التابعين ، رأى وأدرك ابن عمر ، أنس بن مالك ، وأبا أمامة ، وربيب عبادة بن الصامت أبا أبي ابن أم حرام ، وروى عنهم ، واختلف في سماعه من سكن واثلة بن الأسقع ، الشام ، وعمر طويلا ، ومات في خلافة أبي جعفر سنة إحدى أو اثنتين وخمسين ومائة ، وكان ثقة فاضلا له أدب ومعرفة ، وكان يقول الشعر الحسن ، روى عنه جلة : مالك ، ويونس بن يزيد ، . وبكر بن مضر
لمالك عنه في الموطأ من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حديث واحد مرسل ، وهو : مالك ، عن عن إبراهيم بن أبي عبلة ، طلحة بن عبيد الله بن كريز أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : عرفة ، وما ذلك إلا لما رأى من تنزل الرحمة ، وتجاوز الله عن الذنوب العظام ، إلا ما رأى يوم بدر ، قيل : وما رأى يوم بدر يا رسول الله ؟ فقال : أما إنه رأى جبريل يزع الملائكة هكذا . ما رئي الشيطان يوما هو فيه أصغر ، ولا أحقر ، ولا أدحر ، ولا أغيظ منه في يوم
هذا الحديث في الموطأ عند جماعة الرواة له عن مالك .
ورواه أبو النضر إسماعيل بن إبراهيم العجلي ، عن مالك ، عن عن إبراهيم بن أبي عبلة ، طلحة بن عبيد الله بن كريز ، عن أبيه ، ولم يقل في هذا الحديث عن أبيه غيره ، وليس بشيء ، وطلحة بن عبيد الله بن كريز هذا خزاعي من أنفسهم [ ص: 116 ] تابعي مدني ثقة ، سمع من وغيره ، وقال ابن عمر : البخاري طلحة بن عبيد الله بن كريز الكعبي الخزاعي المدني سمع . أم الدرداء
قال أبو عمر : هذا حديث حسن في فضل شهود ذلك الموقف المبارك ، وفيه دليل على ومعنى هذا الحديث محفوظ من وجوه كثيرة ، وفيه دليل على أن كل من شهد تلك المشاهد يغفر الله له إن شاء الله ، وفيه أن شهود الترغيب في الحج ، بدر أفضل من كل عمل يعمله الإنسان بعده إلى يوم القيامة نفلا كان أو فرضا ; لأن هذا القول كان منه صلى الله عليه في حجة الوداع ، وفيه الخبر عن لعنه الله ، وفيه دليل على أن حسد إبليس وعداوته وأما قوله : أصغر ، وأحقر ، وأغيظ ، فمستغن عن التفسير لوضوح معاني ذلك عند العامة ، والخاصة ، وأما قوله : أدحر ، فمعناه أبعد من الخير ، وأهون ، والأدحر المطرود المبعد من الخير المهان ، يقال أدحره عنك أي أطرده ، وأبعده . الحسود يجد في نفسه ذلة لعدمه ما أوتيه المحسود ،
وأما قوله يزع الملائكة ، فقال أهل اللغة معنى يزع يكف ويمنع ، إلا أنها هاهنا بمعنى يعبيهم ، ويرتبهم للقتال ، ويصفهم ، وفيه معنى الكف ; لأنه يمنعهم عن الكلام من أن يشف بعضهم على بعض ، ويخرج بعضهم عن بعض في الترتيب ، قالوا ومنه قول الله عز وجل وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون وقد تكني العرب بهذه اللفظة عن الموعظة لما فيها من معنى الكف ، والمنع ، والردع ، والزجر ، قال النابغة الذبياني :
على حين عاتبت المشيب على الصبا وقلت ألما أصح والشيب وازع
[ ص: 117 ] وقال لبيد العامري :إذا المرء أسرى ليلة ظن أنه قضى عملا والمرء ما عاش عامل
فقولا له إن كان يعقل أمره ألما يزعك الدهر أمك هابل
ولما تلاقينا جرت من جفوننا دموع وزعنا غربها بالأصابع
وقد لاح في عارضيك المشيب ومثلك بالشيب قد يوزع
ولا يزع النفس اللجوج عن الهوى من الناس إلا وافر العقل كامله
امنع فؤادك أن يميل بك الهوى واشدد يديك بحبل دينك واتزع
وأخبرنا إبراهيم بن شاكر ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا محمد بن أحمد بن أبي الأصبغ الإمام بمصر ، قال : حدثنا أبو الزنباع روح بن الفرج ، قال : حدثنا أبو زيد بن أبي الغمر ، قال : حدثنا ابن القاسم ، قال : حدثنا مالك أن كان يقول : ما يزع الإمام أكثر مما يزع القرآن - أي من الناس - قال : قلت عثمان بن عفان لمالك ما يزع ، قال : يكف ، وذكر في كتاب المعرفة له ، قال : حدثنا الحسن بن علي الحلواني عفان ، قال : أخبرنا ، عن إسماعيل يعني ابن علية قال : سمعت ابن عون ، الحسن وهو في مجلس قضائه ، فلما رأى ما يصنع الناس ، قال : والله ما يصلح هؤلاء الناس إلا وزعة ، قال إسماعيل : يزعونهم أي يمنعونهم ، ومنه الحديث الذي حدثني أن أباه حدثه ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا قال : حدثنا بقي بن مخلد ، قال : أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حسين بن محمد ، قال : حدثنا عن جرير بن حازم ، نافع ، عن أنه رأى رؤيا كأن ملكا انطلق به إلى النار ، فلقيه ملك آخر ، وهو يزعه ، فقال : لم تزع هذا ؟ نعم الرجل لو كان يصلي من الليل ، قال : فكان بعد ذلك يطيل الصلاة بالليل ، ومنه الحديث الذي يروى عن ابن عمر إن صح عنه أنه قال : لا أقيد من وزعة الله ، قال : ذاك في بعض عماله . أبي بكر الصديق
[ ص: 119 ] وقد رويت آثار في معنى حديث هذا في إبراهيم بن أبي عبلة ، أنا ذاكر منها ما حضرني ذكره بحسن عون ربي لا إلاه إلا هو . يوم عرفة
حدثنا أبو القاسم أحمد بن فتح ، قال : حدثنا حمزة بن محمد الحافظ بمصر ، قال : حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس ، قال : حدثنا أحمد بن عيسى ، قال : حدثنا قال : حدثنا ابن وهب ، مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن يونس ، وهو ابن يوسف ، عن قال : قالت سعيد بن المسيب ، عائشة : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : عرفة وأخبرنا ما من يوم يعتق الله فيه أكثر من يوم أحمد بن فتح بن عبد الله ، قال : حدثنا حمزة الكناني ، قال : حدثنا أحمد بن سعيد الدمشقي ، قال : حدثنا عيسى بن إبراهيم ، قال : حدثنا عن عبد الله بن وهب مخرمة بن بكير ، عن أبيه ، عن يونس وهو ابن يوسف ، عن عن سعيد بن المسيب ، عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة . ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم
[ ص: 120 ] وهذا يدل على أنهم مغفور لهم ; لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب إلا من بعد التوبة والغفران ، والله أعلم .
وروى عن ابن المبارك ، أبي بكر بن عثمان ، قال : حدثني أبو عقيل ، عن عائشة قالت : يوم عرفة يوم المباهاة ، قيل لها : وما يوم المباهاة ؟ قالت : ينزل الله يوم عرفة إلى السماء الدنيا ثم يدعو ملائكته ويقول : انظروا إلى عبادي شعثا غبرا بعثت إليهم رسولا ، فآمنوا به ، وبعثت إليهم كتابا ، فآمنوا به ، يأتونني من كل فج عميق ، يسألوني أن أعتقهم من النار ، فقد أعتقتهم ، فلم ير يوم أكثر أن يعتق فيه من النار من يوم عرفة .
حدثنا يعيش بن سعيد الوراق ، قالا : حدثنا وعبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، محمد بن إسماعيل الترمذي ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا مرزوق مولى طلحة ، عن أبي الزبير ، عن عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : جابر بن عبد الله ، إذا كان يوم عرفة ينزل الله إلى السماء الدنيا يباهي بهم الملائكة ، فيقول انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق ، أشهدكم أني قد غفرت لهم ، فتقول الملائكة : يا رب فلان وفلان هو ، قال : فيقول قد غفرت لهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فما يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة .
وروى عن ابن جريج ، عن محمد بن المنكدر ، جابر ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المغفرة تنزل على أهل عرفة مع الحركة الأولى [ ص: 121 ] فإذا كانت الدفعة العظمى فعند ذلك يضع إبليس التراب على رأسه يدعو بالويل والثبور ، قال : فيجتمع إليه شياطينه ، فيقولون ما لك ؟ فيقول : قوم فتنتهم منذ ستين سنة وسبعين سنة غفر لهم في طرفة عين .
وقال : كانوا يرون أن الرحمة تنزل عند دفعة الإمام عشية مجاهد عرفة .
أخبرنا أبو محمد قاسم بن محمد ، قال : حدثنا قال : حدثنا خالد بن سعد ، أحمد بن عمرو بن منصور ، وحدثنا أبو عبد الله عبيد بن محمد ، قال : أخبرنا عبد الله بن مسرور ، قال : أخبرنا قالا : حدثنا عيسى بن مسكين ، محمد بن سنجر ، قال : حدثنا قال : حدثنا الفضل بن دكين ، عن يونس بن أبي إسحاق ، عن مجاهد ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي هريرة ، عرفات أهل السماء ، يقول لهم : انظروا إلى عبادي جاءوني شعثا غبرا أشهدكم أني قد غفرت لهم . إن الله يباهي بأهل
[ ص: 122 ] أخبرنا عبيد بن محمد ، قال : حدثنا عبد الله بن مسرور ، قال : حدثنا قال : حدثنا عيسى بن مسكين ، محمد بن عبد الله بن سنجر الجرجاني ، وأخبرنا سلمة بن سعيد ، ومحمد بن خليفة ، قالا : حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا الحسن بن الحباب أبو علي المقري ، قال : حدثنا الحسين بن عرفة ، قالا : حدثنا قال : حدثنا هشام بن عبد الملك الطيالسي ، عبد القاهر بن السري السلمي ، قال : حدثني ابن لكنانة بن عباس بن مرداس ، عن أبيه ، عن جده عباس بن مرداس عرفة لأمته بالمغفرة ، والرحمة ، فأكثر الدعاء ، فأجابه الله إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا ، فأما ذنوبهم بيني وبينهم فقد غفرتها لهم ، فقال : أي رب إنك قادر أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته ، وتغفر لهذا الظالم قال فلم [ ص: 123 ] يجبه تلك العشية ، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء ، فأجابه : إني قد غفرت لهم ، قال : ثم تبسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له أصحابه : يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها ، قال : تبسمت من عدو الله إبليس لما عرف أنه قد استجاب الله لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور ويحثي التراب على رأسه . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا عشية
حدثنا أبو عثمان سعيد بن سيد ، قال : حدثنا أبو عيسى يحيى بن عبيد الله بن أبي عيسى ، قال : حدثنا قال : حدثنا أبو عثمان سعيد بن فحلون ، عبد الرحمن بن عبيد البصري ، قال : حدثنا ابن أبي الشوارب القرشي الأموي ، قال : أخبرنا عبد القاهر بن السري السلمي ، قال : حدثنا ابن لكنانة بن عباس بن مرداس السلمي ، عن أبيه ، عن جده عرفة بالمغفرة ، فأجابه الله إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا ، فلما كان [ ص: 124 ] غداة المزدلفة أعاد الدعاء ، فقال : يا رب إنك قادر أن تثيب المظلوم خيرا من مظلمته ، وتعفو عن الظالم ، فأجابه الله إنى قد فعلت ، ثم التفت إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متبسما ، فقلنا : يا نبي الله ما الذي أضحكك ؟ قال : إن إبليس عدو الله لما علم أن الله عز وجل قد شفعني في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور ويحثو التراب على رأسه . أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا لأمته عشية
وروى قال : أخبرنا مسلم بن إبراهيم ، كعب بن فروخ الرقاشي ، قال : حدثنا قتادة ، عن عكرمة ، عن قال : ليس يوم أكثر عتيقا من يوم ابن عباس ، عرفة ، هكذا ذكره موقوفا ، وأخبرنا قال : حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، أبو جعفر بن وهب المسعري ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان الرازي ، قال : حدثنا سلمة بن بخت ، عن عكرمة ، عن قال : إن يوم ابن عباس ، عرفة يوم يباهي الله ملائكته في السماء بأهل الأرض ، يقول تبارك وتعالى : عبادي جاءوني شعثا غبرا آمنوا بي ، ولم يروني ، وعزتي لأغفرن لهم ، وهو يوم الحج الأكبر .
[ ص: 125 ] قال أبو عمر : اختلف في تأويل قول الله عز وجل يوم الحج الأكبر ، فقيل : يوم عرفة ، وقيل : يوم النحر ، قال بهذا جماعة وبهذا جماعة ، روي من حديث عن عمرو بن مرة ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : مرة بن شراحيل ، بالمزدلفة غداة يوم النحر على ناقة حمراء ، فقال : هل تدرون أي يوم هذا ؟ هذا يوم الحج الأكبر ، رواه خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وغيره ، عن شعبة ومن حديث عمرو بن مرة ، أبي إسحاق ، عن الحارث ، عن علي ، قال : سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن يوم الحج الأكبر فقال : يوم النحر ، وروى عن جعفر بن أبي وحشية ، : الحج الأكبر يوم النحر ، وروى سعيد بن جبير عاصم بن حكيم ، عن في يوم الحج الأكبر ، قال : حين الحج أيامه كلها ، مجاهد عن وابن جريج ، مثله ، وقال مجاهد معمر ، عن الحسن إنما سمي الحج الأكبر لأنه حج فيه أبو بكر ونبذت فيه العهود ، وقال عن ابن جريج ، عن أبيه أنه قيل له : ما الحج الأكبر ؟ قال : يوم ابن طاوس ، عرفة ، وهو اليوم الأكبر عرفة .
[ ص: 126 ] قال أبو عمر : روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : يوم الحج الأكبر يوم عرفة وهو قول ابن عباس ، وروي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : وطاوس ، من حديث علي يوم الحج الأكبر يوم النحر وأبي هريرة ، ورجل من أصحاب النبي عليه السلام . وابن عمر ،
ولا خلاف عن مالك وأصحابه أن يوم الحج الأكبر ، واختلف أصحاب يوم النحر في ذلك ، فقالت طائفة منهم : يوم الحج الأكبر يوم الشافعي عرفة ، وقال بعضهم يوم النحر ، وكذلك اختلف أصحاب وليس عنه شيء منصوص ، وذكر أبي حنيفة ، في جامعه في يوم الحج الأكبر ، قال : حدثنا الثوري ليث ، عن قال : الحج الأكبر يوم النحر ، والحج الأصغر العمرة ، أخبرنا مجاهد ، عبد الله بن محمد بن يوسف ، قال : حدثنا يحيى بن مالك ، قال : حدثنا محمد بن عبد الله بن زبر ، قال : حدثنا قال : حدثنا محمد بن خريم ، أبو عبد الغني الحسن بن علي ، قال : حدثنا قال : أخبرنا عبد الرزاق ، مالك ، عن عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي هريرة ، إذا كان يوم عرفة غفر الله للحاج المخلص ، وإذا كانت ليلة مزدلفة غفر الله للتجار ، وإذا كان يوم منى غفر الله للجمالين ، وإذا كان عند جمرة العقبة غفر الله للسؤال ، ولا يشهد ذلك الموقف خلق ممن قال : لا إله إلا الله إلا غفر له .
[ ص: 127 ] وحدثنا محمد بن خلف بن قاسم ، حدثنا علي بن الحسين بن بندار ، حدثنا قال : سمعت سعيد بن عبد العزيز بن مروان ، الحسن بن علي بن معان الصنعاني ، حدثنا حدثنا عبد الرزاق ، مالك ، عن عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قال : إذا كان يوم أبي هريرة ، عرفة ، وذكر الحديث مثله سواء .
وحدثنا حدثنا خلف بن قاسم ، محمد بن عبد الله بن أحمد القاضي ، وعلي بن محمد بن إسماعيل الطوسي بمكة قالا : حدثنا حدثنا محمد بن خريم ، أبو عبد الغني الحسن بن علي ، حدثنا أخبرنا عبد الرزاق ، مالك ، عن عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبي هريرة ، إذا كان عرفة غفر الله للحاج ، وإذا كان ليلة المزدلفة غفر الله للتجار ، وإذا كان يوم منى غفر الله للجمالين ، وإذا كان عند جمرة العقبة غفر الله للسؤال ، ولا يشهد ذلك الموقف خلق ممن قال : لا إله إلا الله إلا غفر له يوم .
قال أبو عمر : هذا حديث غريب من حديث مالك ، وليس محفوظا عنه إلا من هذا الوجه وأبو عبد الغني لا أعرفه ، وأهل العلم ما زالوا يسامحون أنفسهم في رواية الرغائب والفضائل عن كل أحد ، وإنما كانوا يتشددون ، في أحاديث الأحكام .
أخبرنا علي بن إبراهيم ، قال : حدثنا قال : حدثنا الحسن بن رشيق ، قال : حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة ، محمد بن عمرو العربي ، قال : حدثنا [ ص: 128 ] عن عطاف بن خالد المخزومي ، إسماعيل بن رافع ، عن قال : كنت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أنس بن مالك ، مسجد الخيف قاعدا ، فأتاه رجل من الأنصار ، ورجل من ثقيف ، فذكر حديثا فيه طول ، وفيه : وأما وقوفك عشية عرفة ، فإن الله يهبط إلى سماء الدنيا ثم يباهي بكم الملائكة ، فيقول هؤلاء عبادي جاءوني شعثا سفعا يرجون رحمتي ، ومغفرتي ، فلو كانت ذنوبكم كعدد الرمل ، وكعدد القطر ، وكزبد البحر لغفرتها ، أفيضوا عبادي مغفورا لكم ولمن شفعتم له ، وذكر تمام الحديث .
وأخبرنا علي بن إبراهيم بن أحمد بن حمويه ، قال : حدثنا قال : حدثنا الحسن بن رشيق ، أبو جعفر محمد بن خالد البرذعي بمكة سنة ثلاثمائة ، قال : حدثنا علي بن موفق البغدادي ، قال : حدثنا قال : حدثنا أحمد بن شبويه المروزي ، عن ابن المبارك ، عن سفيان الثوري ، عن الزبير بن عدي ، قال : أنس بن مالك وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفات ، وكادت الشمس أن تئوب ، فقال : يا بلال أنصت لي الناس ، فقام بلال ، فقال : أنصتوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فنصت الناس ، فقال : معاشر الناس أتاني جبريل آنفا ، فأقرأني من ربي السلام ، وقال إن الله غفر لأهل عرفات ، وأهل المشعر ، وضمن عنهم التبعات ، فقام [ ص: 129 ] فقال : يا رسول الله هذا لنا خاص ؟ فقال : هذا لكم ولمن أتى بعدكم إلى يوم القيامة ، فقال عمر بن الخطاب ، عمر - رضي الله عنه - : كثر خير الله وطاب .
وروي عن أنه رأى سائلا يسأل يوم سالم بن عبد الله بن عمر عرفة ، فقال : يا عاجز ، في هذا اليوم تسأل غير الله ، وذكر المدائني فقال : خطب عمر بن عبد العزيز بعرفة ، فقال : إنكم قد جئتم من القريب ، والبعيد ، وأنضيتم الظهر ، وأخلقتم الثياب ، وليس السابق اليوم من سبقت دابته وراحلته ، وإنما السابق اليوم من غفر له ، وروى سفيان ، عن عن داود بن أبي هند ، قال : كانوا يرجون في ذلك الموقف للحمل في بطن أمه . ابن سيرين ،