الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1057 والحديث الآخر : مالك ، عن نافع ، عن رجل من الأنصار ، عن سعد بن معاذ - أو معاذ بن سعد - أنه أخبره أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما بسلع ، فأصيبت منها شاة ، فأدركتها فذكتها بحجر ، فسئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال : لا بأس بها فكلوها .

التالي السابق


قال أبو عمر : قد روي هذا الحديث ، عن نافع ، عن ابن عمر ، وليس بشيء ، وهو خطأ ، والصواب : رواية مالك ومن تابعه على هذا الإسناد [ ص: 127 ] وأما الاختلاف فيه عن نافع فرواه مالك كما ترى ، لم يختلف عليه فيه عن نافع ، عن رجل من الأنصار ، عن معاذ بن سعد - أو سعد بن معاذ .

ورواه موسى بن عقبة ، وجرير بن حازم ، ومحمد بن إسحاق ، والليث بن سعد - كلهم عن نافع - أنه سمع رجلا من الأنصار يحدث عن ابن عمر أن جارية - أو أمة لكعب بن مالك - الحديث .

ورواه عبيد الله بن عمر ، عن نافع أن كعب بن مالك سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مملوكة ذبحت شاة بمروة ، فأمره النبي عليه السلام بأكلها .

ورواه يحيى بن سعيد الأنصاري ، وصخر بن جويرية - جميعا عن نافع - عن ابن عمر ، وهو وهم عند أهل العلم ، والحديث لنافع عن رجل من الأنصار ، لا عن ابن عمر ، والله الموفق للصواب . وأما قوله : ترعى غنما بسلع ، فسلع موضع ، وإياه أراد الشاعر بقوله : إن بالشعب الذي جنب سلع لقتيلا دمه ما يطل [ ص: 128 ] وفي هذا الحديث من الفقه : إجازة ذبيحة المرأة ، وعلى إجازة ذلك جمهور العلماء والفقهاء بالحجاز والعراق ، وقد روي عن بعضهم أن ذلك لا يجوز منها إلا على حال الضرورة ، وأكثرهم يجيزون ذلك وإن لم تكن ضرورة - إذا أحسنت الذبح - وكذلك الصبي إذا أطاق الذبح وأحسنه ، وهذا كله قول مالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة ، وأصحابهم ، والثوري ، والليث بن سعد ، والحسن بن حي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وروي ذلك عن ابن عباس ، وجابر ، وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، والنخعي .

وأما التذكية بالحجر فمجتمع أيضا عليها ، إذا فرى الأوداج وأنهر الدم ، وقد مضى القول مستوعبا فيما يذكى به وما لا يجوز الذكاة به ، وفيما يذكى من الحيوان الذي قد أدركه الموت وما لا يذكى منه ، وما للعلماء في ذلك كله من المذاهب ، وتأويل قول الله عز وجل ( إلا ما ذكيتم ) مستوعبا ذلك كله ، ممهدا مهذبا في باب زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار من كتابنا هذا ، فلا وجه لإعادة ذلك .

وقد مضى هناك حديث الشعبي عن محمد بن صفوان - أو صيفي - قال : اصطدت أرنبين فذكيتهما بمروة ، فأتيت بهما النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرني بأكلهما . وحديث عدي بن حاتم ، قال : قلت يا رسول الله أرأيت إن أصاب أحدنا صيدا وليس [ ص: 129 ] معه سكين ، أيذبح بالمروة وبشق العصا ؟ قال : أنهر الدم ، أو أنزل الدم بما شئت ، واذكر اسم الله والمروة : فلقة الحجر ، لا خلاف في ذلك .

وحديث رافع بن خديج ، عن النبي عليه السلام : ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ، ما خلا السن والعظم الحديث .

وقد أجمعوا على أن ما مر مرور الحديد ولم يثرد - فجائز الذكاة به ، وأجمعوا على أن الظفر إذا لم يكن منزوعا ، وكذلك السن - فلا يجوز الذكاة به ; لأنه خنق ، وهذا أصل الباب والحمد لله .

وأولى ما قيل به في ذلك عندنا عبد الله بن محمد بن يوسف قال : أخبرنا يوسف بن أحمد ، قال : حدثنا محمد بن عمرو العقيلي ، قال : حدثنا يوسف بن موسى ، قال : حدثنا حسين بن عيسى ، قال : حدثنا أصرم بن حوشب الهمداني ، عن الحسن بن عطاء ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من لم يدرك أحد الثلاثة فلا ذكاة له : أن تطرف بعين ، أو تركض برجل ، أو تمصع بالذنب وهذا الحديث وإن كان إسناده لا تقوم به حجة ، فإن قول جمهور العلماء بمعناه - على [ ص: 130 ] ما ذكرنا في باب زيد بن أسلم - يوجب السكون إليه ، واستدل جماعة من أهل العلم بهذا الحديث على صحة ما ذهب إليه فقهاء الأمصار وهم : مالك ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، والأوزاعي ، والثوري من جواز أكل ما ذبح بغير إذن مالكه ، وردوا به على من أبى من أكل ذبيحة السارق ، ومن أشبهه : داود وإسحاق ، وتقدمهم إلى ذلك عكرمة ، وهو قول شاذ عند أهل العلم ، لم يعرج عليه فقهاء الأمصار ; لحديث نافع هذا .

وقد ذكر ابن وهب في موطئه بإثر حديث مالك عن نافع هذا ، قال ابن وهب : وأخبرني أسامة بن زيد الليثي ، عن ابن شهاب ، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ، عن أبيه أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عنها فلم ير بها بأسا ومما يؤكد هذا المذهب : حديث عاصم بن كليب الحرمي ، عن أبيه ، عن رجل من الأنصار ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الشاة التي ذبحت بغير إذن ربها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أطعموها الأسارى وهم ممن تجوز عليهم الصدقة بمثلها ، ولو لم تكن ذكية ما أطعمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم .




الخدمات العلمية