الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5683 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ هذه الآية : اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم ، فكيف بمن يكون طعامه " ؟ ! . رواه الترمذي وقال : هذا حديث حسن صحيح .

التالي السابق


5683 - ( وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قرأ هذه الآية : اتقوا الله : أولها : ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله ( حق تقاته ) أي حق تقواه من القيام بالواجبات واجتناب السيئات ، وقد فسره ابن مسعود بقوله : هو أن يطاع فلا يعصى ، ويشكر فلا يكفر ، ويذكر فلا ينسى ، ورواه الحاكم عن رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم . وكذا رواه ابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، وصححه المحدثون ، فهو إما تفسير لكمال التقوى فلا إشكال ، أو لأصلها فيكون منسوخا بقوله تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم كما ذكره بعضهم ، وقال بعض العارفين : هو أن ينزه الطاعة عن الالتفات إليها ، وعن توقع المجازات عليها . ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون أي موحدون منقادون تائبون جامعون بين الخوف والرجاء ، غالبون حسن الظن بالمولى جل وعلا في الآخرة والأولى ، وهو في الحقيقة أمر بدوام الإسلام ، فإن النهي في هذا المقام توجه إلى القيد في الكلام . ( فقال رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم : " لو أن قطرة من الزقوم ) أي من ماء شجر يخرج في أصل الجحيم . قال الشارح : الزقوم شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم والرائحة ، يكره أهل النار على تناوله ، فلو أن قطرة منه ( قطرت ) بالفتحات أي نقطت ونزلت ( في دار الدنيا لأفسدت ) أي لمرارتها وعفونتها وحرارتها ( على أهل الأرض معايشهم ) بالياء ، وقد يهمز ، جمع معيشة ( فكيف بمن يكون ) أي الزقوم ( طعامه ) ؟ ففي الصحاح : أن الزقوم اسم طعام لهم فيه تمر وزبد ، والزقوم أكله ، فالمعنى أن هذا الزقوم في العقبى بدل زقومهم في الدنيا ، كما قال تعالى : إن شجرة الزقوم طعام الأثيم . قال ابن عباس رضي الله [ ص: 3621 ] تعالى عنه : لما نزل إن شجرة الزقوم طعام الأثيم قال أبو جهل : التمر بالزبد نتزقمه ، فأنزل الله تعالى : إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم الآيات .

قال الطيبي - رحمه الله - قوله : ( حق تقاته ) أي واجب تقواه وما يحق منها ، وهو القيام بالواجبات واجتناب المحارم ، أي بالغوا في التقوى ، حتى لا تتركوا من المستطاع منها شيئا ، وهذا معنى قوله تعالى : فاتقوا الله ما استطعتم وقوله : ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون تأكيد لهذا المعنى أي لا تكونن على حال سوى حال الإسلام إذا أدرككم الموت ، فمن واظب على هذه الحالة وداوم عليها مات مسلما وسلم في الدنيا من الآفات وفي الآخرة من العقوبات ، ومن تقاعد عنها وتقاعس وقع في العذاب في الآخرة ، ومن ثم أتبعه - صلى الله تعالى عليه وسلم - بقوله : " لو أن قطرة من الزقوم " الحديث . وهو فعول من الزقم : اللقم الشديد والشرب المفرط . ( رواه الترمذي ، وقال : هذا حديث حسن صحيح ) . وكذا رواه أحمد والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم ، وابن حبان .




الخدمات العلمية