الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الأول

5776 - عن جبير بن مطعم ، رضي الله عنه ، قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : " إن لي أسماء : أنا محمد ، وأنا أحمد ، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر ، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، وأنا العاقب الذي ليس بعده نبي . متفق عليه .

التالي السابق


الفصل الأول

5776 - ( عن جبير بن مطعم قال : سمعت النبي صلي الله عليه وسلم يقول " إن لي أسماء " ) أي كثيرة عظيمة شهيرة ( " أنا محمد " ) ، فقيل : هو اسم مفعول من التحميد ، وهو المبالغة في الحمد ، يقال : حمدت فلانا أحمده إذا أثنيت عليه بجلائل خصاله ، وأحمدته إذا وجدته محمودا ، أو يقال : هذا الرجل محمود ، فإذا بلغ النهاية في ذلك وتكاملت فيه المحاسن والمناقب ، فهو محمد . قال الأعشى يمدح بعض الملوك :


إلى الماجد الفرع الجواد المحمد

أراد الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة ، وهذا البناء أبدا يدل على بلوغ النهاية ، كما تقول في الحمد محمد ، وفي الذم مذمم ، وقيل : هذا البناء للتكثير نحو : فتحت الباب فهو مفتوح إذا فعلت به ذلك مرة بعد أخرى ، ومحمد اسم منقول على سبيل التفاؤل أنه سيكثر حمده ، أقول : وقد كان في الظاهر ما أضمر في الباقي ، وسيحمده الأولون والآخرون في المقام المحمود تحت اللواء الممدود ( " وأنا أحمد " ) أفعل تفضيل من الحمد قطع متعلقه للمبالغة أي أحمد من كل حامد ، أو محمود بناء على أنه للفاعل أو المفعول ، والأول أظهر لئلا يتكرر ، ولأنه تعالى يلهمه المحامد يوم القيامة لم يلهمها أحدا من الأولين ، والآخرين ، فهو جامع بين الحامدية والمحمودية كما جمع له بين المحبة والمحبوبية والمريدية ، وقد أشرت إلى بعض النكات الصوفية مما هو من المشارب الصفية في رسالتي المسماة بالصلوات العلوية على الصلوات المحمدية ، هذا وقال ابن الجوزي في الوفاء ، قال ابن قتيبة : ومن أعلام نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم - أنه لم يسم قبله أحد باسمه صيانة من الله تعالى لهذا الاسم ، كما فعل بيحيى إذ لم يجعل له من قبل سميا ، وذلك أنه تعالى سماه في الكتب المتقدمة ، وبشر به الأنبياء ، فلو جعل الاسم مشتركا به شاعت الدواعي ، ووقعت الشبهة إلا أنه لما قرب زمنه ، وبشر أهل الكتاب بقربه سموا أولادهم بذلك ، ( " وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر " ) ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - بعث والدنيا مظلمة بغيابة الكفر ، فأتى - صلى الله عليه وسلم - بالنور الساطع حتى محا الكفر . قال النووي : ويحتمل أن يراد به الظهور بالحجة والغلبة ، كما قال تعالى : ليظهره على الدين كله وجاء في حديث آخر مفسرا بالذي محيت به سيئات من تبعه ، كما قال تعالى : قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف " وأنا الحاشر " ) أي ذو الحشر ( " الذي يحشر ) أي يجمع ( " الناس على قدمي " ) بفتح الميم وتشديد الياء ، وفي نسخة بالكسر والتخفيف أي على أثري قال النووي : ضبطوه بتخفيف الياء على الإفراد وتشديدها على التثنية . قال الطيبي . والظاهر على قدميه اعتبارا للموصول إلا أنه يعتبر المعنى المدلول للفظة أنا ، وفي شرح السنة أي يحشر أول الناس لقوله : " أنا أول من تنشق عنه الأرض " . وقال النووي أي على أثري وزمان نبوتي ، وليس بعدي نبي . قال الطيبي : هو من الإسناد المجازي لأنه سبب في حشر الناس ، لأن الناس لم يحشروا ما لم يحشر ( " وأنا العاقب " والعاقب الذي ليس بعده نبي ) الظاهر أن هذا تفسير للصحابي أو من بعده ، وفي شرح مسلم قال ابن الأعرابي : العاقب الذي يخلف في الخير من كان قبله ، ومنه يقال : عقب الرجل لولده ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية