الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
6268 - وعنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : رأس الكفر نحو المشرق والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل والفدادين أهل الوبر ، والسكينة في أهل الغنم . متفق عليه .

التالي السابق


6268 - ( وعنه ) ، أي : عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ( قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رأس الكفر " ) ، أي : معظمه ذكره السيوطي ، والأظهر أن يقال منشؤه ( " نحو المشرق " ) ، بالنصب قال الطيبي نحوه : رأس الأمر الإسلام ، أي : ظهور الكفر من قبل المشرق . وقال ابن الملك ، أي : منه يظهر الكفر والفتن كالدجال ويأجوج ومأجوج وغيرهما . وقال النووي : المراد باختصاص المشرق به مزيد تسلط الشيطان على أهل المشرق ، وكان ذلك في عهده - صلى الله عليه وسلم - ويكون حين يخرج الدجال من المشرق فإنه منشأ الفتن العظيمة ومثار الكفر . وقال السيوطي ، نقلا عن الباجي : يحتمل أن يريد فارس وأن يريد نجدا ( " والفخر والخيلاء في أهل الخيل والإبل " ) ، قال الراغب : الخيلاء التكبر عن تخيل فضيلة تراءت للإنسان من نفسه ومنها يتأول لفظ الخيل ما قيل أنه لا يركب أحد فرسا إلا وجد في نفسه نخوة ، والخيل في الأصل اسم للأفراس والفرسان جميعا اهـ .

والأظهر أن الخيل اسم حتى للفرس لقوله تعالى " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل أما قوله : " يا خيل الله اركبوا " فمجاز . ( " والفدادين " ) : بالتشديد ويخفف أي : وفي الفلاحين عطف على أهل الخيل وقوله : ( " أهل الوبر " ) ، بفتح الواو والموحدة شعر الإبل وهو بالجر بدل أو بيان ، والمراد بهم سكان الصحاري ، لأن بيوتهم غالبا خيام من الشعر . قال صاحب النهاية : الفدادون بالتشديد الذين تعلو أصواتهم في حروثهم ومواشيهم ، واحدهم فداد ، يقال : فد الرجل يفد فديدا إذا اشتد صوته ، وقيل : هم المكثرون من الإبل ، وقيل : هم الجمالون والبقارون والحمارون والرعيان ، و قيل : الفدادون بالتخفيف جمع فداد مشددا ، وهي البقرة التي تحرث بها وأهلها أهل جفاء وغلظة . قال التوربشتي : إذا روي بالتخفيف تقديره : وفي أهل الفدادين ، وأرى أصوب الروايتين بالتشديد لما في حديث أبي مسعود الذي يتلو هذا الحديث ، والجفاء الغلظ في الفدادين والتخفيف في هذه الرواية غير مستقيم ، وتقدير الحذف فيه مستبعد رواية ومعنى ، فرددنا المختلف فيه إلى المتفق عليه ، هذا وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى مسكة وشيئا من آلات الحرث فقال : " ما دخل هذا دار قوم إلا أدخل عليهم الذل " وأين إيقاع الفخر والخيلاء من موقع الذل ؟ قلت : لعله - صلى الله عليه وسلم - أخبر عما سيقع في آخر الزمان من أن كثرة الزراعة تكون سببا للافتخار والتكبر ، كما هو مشاهد في أرباب الدنيا من أهل المزارع الكثيرة في العجم بحيث أنهم يتقدمون في المحافل على أصحاب الإبل والخيل ، بل لهم اعتبار عظيم عند الملوك حتى يصير أكثرهم وزراء لهم وكبراء عند سائر رعيتهم . ( " والسكينة " ) ، أي : الوقار والتأني والحلم والأنس ( " في أهل الغنم " متفق عليه ) . وكذا رواه الإمام مالك . قال ميرك : إلا أن مسلما لم يقل : والفدادين بالواو ، بل هي محذوفة فيه ، وفي البخاري ثابتة ، فعلى رواية مسلم نعت لأهل الخيل ، وعلى إثباته عطف عليها . قلت : فعلى رواية مسلم مراد الجمع بين الوصفين ، وعلى رواية البخاري يراد التغاير بينهما ، فيكون عطفا على الخيل برواية تخفيف الفدادين ، وعلى أهل الخيل برواية التشديد والله الملهم للتسديد .

[ ص: 4038 ]



الخدمات العلمية