الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
665 - وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يعجب ربك من راعي غنم في رأس شظية للجبل يؤذن بالصلاة ويصلي ، فيقول الله عز وجل - : انظروا إلى عبدي هذا ، يؤذن ويقيم الصلاة ، يخاف مني ، قد غفرت لعبدي ، وأدخلته الجنة ) . رواه أبو داود ، والنسائي

التالي السابق


665 - ( وعن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يعجب ربك ) ( 1 ) أي : يرضى . قال النووي : التعجب على الله محال إذ لا يخفى عليه أسباب الأشياء ، والتعجب إنما يكون مما خفي سببه ، فالمعنى عظم ذلك عنده وكبر ، وقيل : معناه الرضا ، والخطاب إما للراوي ، أو لواحد من الصحابة غيره . وقيل : الخطاب عام لكل من يتأتى منه السماع لفخامة الأمر ، فيؤكد مع التعجب ( من راعي غنم ) اختار العزلة من الناس ، فإن الاستئناس بالناس من علامة الإفلاس ( في رأس شظية للجبل ) - بفتح الشين المعجمة وكسر الظاء المعجمة وتشديد التحتانية أي : قطعة من رأس الجبل ، وقيل : هي الصخرة العظيمة الخارجة من الجبل كأنها أنف الجبل . ( يؤذن بالصلاة ويصلي ) : قال ابن الملك : فائدة تأذينه إعلام الملائكة والجن بدخول الوقت ، فإن لهم صلاة أيضا ، وإنما لم يذكر الإقامة لأنها للإعلام بقيام الصلاة ، وليس أحد يصلي خلفه حتى يقيم لإعلامه . ا ه .

وهو خلاف المذهب ; لأن الأفضل أن يجمع بينهما ، فالأولى أن يراد بالتأذين الإعلام بالمعنى الأعم ، أو يقدر الإقامة لما سيأتي من قوله : ويقيم . وفي تأذينه فوائد أخر من شهادة الأشياء على توحيده ومتابعة سنته ، والتشبه بالمسلمين في جماعتهم ، وقيل : إذا أذن وأقام تصلي الملائكة معه ، ويحصل له ثواب الجماعة والله أعلم . ( " فيقول الله عز وجل ) أي : لملائكة وأرواح المقربين عنده ( انظروا إلى عبدي هذا ) تعجيب لملائكته من ذلك الأمر بعد التعجب لمزيد التفخيم ، وكذا تسميته بالعبد وإضافته إلى نفسه ، والإشارة بهذا تعظيم على تعظيم ( يؤذن ويقيم الصلاة ) نصب بنزع الخافض ، أي : للصلاة تنازع فيه الفعلان . وقال ابن الملك : أي يحافظ ويداوم عليها " ( يخاف مني ) أي : يفعل ذلك خوفا من عذابي ، لا يراه أحد ، قاله ابن الملك . وقال الطيبي : الأظهر أنه جملة استئنافية ، وإن احتمل الحال فهو كالبيان لعلة عبوديته واعتزاله التام عن الناس ، وأما قول ابن حجر : " ولذا آثر الشظية بالرعي فيها ، والمعز برعايتها ; لأن الأعين لا تتشوف إليها تشوفها للضأن " فلا دلالة للحديث عليه ; لأن الغنم أعم منهما ، وفي الحديث دليل على جواز الأذان والإقامة للمنفرد ، ذكره ابن الملك . لكن الأولى أن يقال : دليل على استحبابهما " ( قد غفرت لعبدي ) فإن الحسنات يذهبن السيئات ( وأدخلته الجنة ) فإنها دار المثوبات . ( رواه أبو داود ، والنسائي ) ، وأحمد ، ورجاله ثقات ، قاله ميرك .

[ ص: 566 ]



الخدمات العلمية