الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1209 - وعن حميد بن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، قال : إن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قلت وأنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم : والله لأرقبن رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة حتى أرى فعله ، فلما صلى صلاة العشاء ، وهي العتمة ، اضطجع هويا من الليل ، ثم استيقظ فنظر في الأفق ، فقال : ( ربنا ما خلقت هذا باطلا ) حتى بلغ إلى : ( إنك لا تخلف الميعاد ) ، ثم أهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فراشه ، فاستل منه سواكا ، ثم أفرغ في قدح من إداوة عنده ماء ، فاستن ، ثم قام ، فصلى ، حتى قلت : قد صلى قدر ما نام ، ثم اضطجع حتى قلت قد نام قدر ما صلى ، ثم استيقظ ، ففعل كما فعل أول مرة ، وقال مثل ما قال ، ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات قبل الفجر . رواه النسائي .

التالي السابق


1209 - ( وعن حمد بن عبد الرحمن بن عوف ) : من كبار التابعين ، قاله المؤلف ( قال : إن رجلا ) : الظاهر أنه زيد بن خالد الجهني المتقدم ( من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ) : فلا تضر جهالته لظهور عدالته ببركة نسبة صحابته . ( قال ) ، أي الرجل ( قلت ) ، أي : في نفسي ، أو لبعض أصحابي ( وأنا في سفر ) : من غزوة أو عمرة أو حجة ( مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) معه ، أي : رفيقا له ( والله لأرقبن ) ، أي لأنظرن وأحفظن ( رسول الله ) ، أي : وقت قيامه ( صلى الله عليه وسلم ) ، أي : في الليل ( للصلاة ) ، أي : لأجلها ( حتى أرى فعله ) وأقتدي به ، قال الطيبي : أي لأرقبن وقت صلاته في الليل فأنظر ماذا يفعل فيه ، فاللام في الصلاة كما في قوله : " قدمت لحياتي " . ( فلما صلى صلاة العشاء ، وهي العتمة ) : لا المغرب ، أو لأن العتمة كانت أشهر عندهم من العشاء ( اضطجع ) ، أي : رقد ( هويا ) : بفتح الهاء وتشديد الياء ، أي : حينا طويلا ( من الليل ) : وقيل : هو مختص بالليل ( ثم استيقظ ) ، أي : استنبه من النوم ( فنظر في الأفق ) ، أي : نواحي السماء ( فقال ) ، أي قرأ ( ربنا ما خلقت هذا ) ، أي : مرئينا من الأفق ، أو من قوله تعالى : ( إن في خلق السماوات والأرض ) إلى آخر السورة من الآيات ، كما ورد في سائر الروايات ، وإنما سمع الراوي هذا المقدار ( حتى بلغ إلى : ( إنك لا تخلف الميعاد ) ، أي وعدك للعباد في يوم الميعاد ، ويحتمل أنه - عليه السلام - وقف على هذا المقدار تلك الليلة ، ويحتمل أن السامع لم يسمع ما بعده ، فيوافق ما سبق عن ابن عباس أنه قرأ إلى آخر السورة . ( ثم أهوى ) ، أي : قصد ومال ( رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، أي : بيده ( إلى فراشه ، فاستل ) ، أي : استخرج ( منه ) ، أي : من تحت فراشه ( سواكا ) : قال الطيبي ، أي انتزع السواك من الفراش بتأن وتدريج . اهـ .

والأظهر أن هذا هو أصل اللغة ، لكن وقع فيه تجريد منه لمناسبة المقام ( ثم أفرغ ) ، أي : صب ( في قدح من إداوة ) : بكسر الهمزة ، أي : مطهرة كائنة ( عنده ماء ) : مفعول صب ، قال ابن حجر : أي ماء بل السواك منه كما هو السنة . اهـ .

ويحتمل أنه صب الماء فيه تهيئة للوضوء ، ( فاستن ) ، أي : استعمل السواك وهو افتعال من الأسنان لأنه يمره عليها ، ( ثم قام فصلى ) ، أي : بوضوء مجدد أو بوضوئه السابق ، ( حتى قلت : قد صلى قدر ما نام ، ثم اضطجع ) ، أي : رقد ، ويحتمل أن يراد بالاضطجاع وضع الجنب على الأرض ، وبالاستيقاظ رفعه عنها . ( حتى قلت ) ، أي : في ظني ( قد نام ) : أو استراح ( قدر ما صلى ثم استيقظ ) ، أي : فقام ( ففعل كما فعل أول مرة ) ، أي : من الاستياك والصلاة . ( وقال مثل ما قال ) : من قراءة الآيات ، والواو لمطلق الجمع ; إذ القول قبل الفعل ، ( ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، أي : ما ذكر من القول والفعل ، أو من النوم واليقظة ( ثلاث مرات قبل الفجر ) : ( رواه النسائي ) .

[ ص: 914 ]



الخدمات العلمية