الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
142 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أبغض الناس إلى الله ثلاثة : ملحد في الحرم ، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية ، ومطلب دم امرئ بغير حق ليهريق دمه ) رواه البخاري .

التالي السابق


142 - ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أبغض الناس ) : هو أفعل تفضيل من المفعول على الشذوذ ، واللام في الناس للعهد ، والمراد منه عصاة المسلمين وما قاله بعض من أنها للجنس فبعيد ، إذ لا معصية أعظم من الكفر ، اللهم إلا أن يحمل على التهديد ( إلى الله ) أي : وإن كان أحبهم إلى غيره ( ثلاثة ) ، أي : أشخاص أحدهم أو منهم ( ملحد في الحرم ) ، أي : ظالم أو عاص فيه ، فإنه عاص لله تعالى وهاتك حرمة الحرم ، والإلحاد الميل عن الصواب ومنه اللحد . قال الأبهري : فإن قلت : فاعل الصغيرة فيه مائل عن الحق فيكون أبغض من صاحب الكبيرة المفعولة في غيره . قلت : نعم مقتضاه ذلك بل مريدها كذلك . قال تعالى : ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم والظلم فسره هنا بعض السلف بشتم الخادم ( ومبتغ ) ، أي : طالب ( في الإسلام سنة الجاهلية ) : إطلاق السنة على فعل الجاهلية إما على أصل اللغة أو على التهكم وهي مثل النياحة والميسر والنيروز وقتل الأولاد وبغض البنات وجزاء شخص بجناية من هو من قبيلته ( ومطلب ) : بالتنوين ( دم امرئ ) : بالنصب ، وقيل بالإضافة وهو بتشديد الطاء من الإطلاب ، أي : متكلف في الطلب . قال السيد جمال الدين ، أي : مجتهد في الطلب ، وأصله متطلب فحذف التاء وشدد الطاء إيذانا بالتاء وأدغم فيها . كذا في " زين العرب " و " الأزهار " ، وهذا يقتضي أن تكون اللام مشددة يعني كالمزمل لكن المسموع من أفواه المشايخ تشديد الطاء دون اللام اهـ .

فيكون كالمدكر ووجهه أن مطلب أصله متطلب على مفتعل فأبدلت التاء طاء وأدغمت ، وهذا موافق للقياس دون الأول ، والله أعلم . ( مسلم ) : كذا في نسخة صحيحة صفة امرئ ( بغير حق ) : فالقاتل ارتكب ما كرهه الله من وجهين . أحدهما ظلم والثاني أنه يسوء العبد والله يكره مساءته ( ليهريق ) : بفتح الهاء ويسكن ( دمه ) : من هراق الماء إذا صبه ، والأصل أراق قلبت الهمزة هاء وفيه لغة أخرى وهي أهراق بفتح الهمزة وسكون الهاء ، والحاصل أن أبغض عصاة المسلمين هذه الثلاثة لأنهم جمعوا بين الذنب وما يزيد به قبحا من الإلحاد ، وكونه في الحرم ، وإحداث البدعة في الإسلام ، وكونه من أمر الجاهلية وقتل النفس لا لغرض صحيح ، بل لكونه قتلا كما يفعل شطار زماننا ، وإليه أشار بقوله ليهريق دمه ، ومزيد القبح في الأول باعتبار المحل ، وفي الثاني باعتبار الفاعل ، وفي الثالث باعتبار الفعل ، وفي كل من لفظي المبتغي والمطلب ، مبالغة ، وذلك أن هذا الوعيد إذا ترتب على الغالب والمتمني فكيف بالمباشر ؟ ( رواه البخاري ) .

[ ص: 225 ]



الخدمات العلمية