الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
1798 - وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " العجماء جرحها جبار ، والبئر جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس " . متفق عليه .

التالي السابق


1798 - ( وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : العجماء ) أي البهيمة وهي في الأصل تأنيث الأعجم ، وهو الذي لا يقدر على الكلام ، سمي بذلك لأنها لا تتكلم ( جرحها ) بضم الجيم وفتحها والمفهوم من النهاية نقلا عن الأزهري أنه بالفتح لا غير ، لأنه مصدر ، وبالضم الجراحة ، والمراد إتلافها ، قال عياض : إنما عبر بالجرح لأنه الأغلب ، وقيل : هو مثال نبه به على ما عداه ( جبار ) بضم الجيم أي هدر ، قال الطيبي : ولا بد من تقدير مضاف ليصح حمل المبتدأ على الخبر ، أي فعل العجماء هدر باطل . اهـ ، وهو غفلة عن وجود جرحها ، فإنها معه لا تحتاج إلى تقدير ، نعم الجملتان المتأخرتان تحتاجان إلى تقدير ، كما لا يخفى ، يعني إذا أتلفت البهيمة شيئا ولم يكن معها قائد ولا سائق وكان نهارا فلا ضمان ، وإن كان معها أحد فهو ضامن لأن الإتلاف حصل بتقصيره ، وكذا إذا كان ليلا ، لأن المالك قصر في ربطها ، إذ العادة أن تربط الدواب ليلا ، وتسرح نهارا ، كذا ذكره الطيبي ، وابن الملك ( والبئر ) بهمز ويبدل ( جبار ) أي البئر المحفورة بلا تعد إذا وقع فيها أحد ، أو انهار على الحافر فلا ضمان على الحافر في الأول وللأمر في الثاني ( والمعدن جبار ) كالبئر في الوجهين ، قال ابن الملك : إذا حفر أحد بئرا في ملكه أو موات ، ووقع فيها أحد أو دابة لا ضمان على حافرها ، أما إذا حفر على الطريق أو في ملك الغير بغير إذنه فالضمان على عاقلة الحافر ، وكذا إذا حفر واحد موضعا فيه ذهب أو فضة ليخرج منه ووقع فيه أحد أو دابة لا ضمان عليه ، لأنه غير متعد ، وكذلك الفيروزج والطين ، وغير ذلك ، وقال الطيبي - رحمه الله - : إذا استأجر حافرا لحفر البئر أو استخراج المعدن فانهار عليه لا ضمان ، وكذا إذا وقع فيه إنسان فهلك ، إن لم يكن الحفر عدوانا وإن كان ففيه خلاف ( وفي الركاز ) بكسر الراء ( الخمس ) قال الطيبي : الركاز المعدن عند أهل العراق ، من أصحاب أبي حنيفة ، لما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - سئل عنه فقال : " الذهب الذي خلقه الله في الأرض يوم خلقت " ، ودفين أهل الجاهلية ، عند أهل الحجاز ، وهو الموافق لاستعمال العرب والمناسب لوجوب الخمس فيه ، قيل : والمعنى الأول أنسب بذكر انهيار المعدن ، وقال ابن الملك : اللغة تحتملها لأن كلا مركوز في الأرض أي ثابت ، ويقال ركزه أي دفنه ، قيل : الحديث على رأي الحجاز ، وإنما كان فيه الخمس لكثرة نفعه وسهولة أخذه ، قال ابن الهمام : الركاز يعم المعدن ، والكنز لأنه من الركز ، مرادا به المركوز ، أعم من كون راكزه الخالق أو المخلوق ، فكان إيجابا فيهما ولا يتوهم عدم إرادة المعدن بسبب عطفه عليه بعد إفادة أنه جبار ، أي هدر لا شيء فيه ، وإلا لتناقص فإن الحكم المعلق بالمعدن ليس هو المعلق في ضمن الركاز ، ليختلف بالسلب والإيجاب ، إذ المراد به أي إهلاكه ، أو الهلاك به للأجير الحافر له ، غير مضمون ، لا أنه لا شيء فيه نفسه ، وإلا لم يجب شيء أصلا ، وهو خلاف المتفق عليه ; إذ الخلاف إنما هو في كميته لا في أصله ، وأما ما روي عن أبي هريرة أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " في الركاز الخمس " ، قيل : وما الركاز يا رسول الله ؟ قال : " الذهب الذي خلقه الله في الأرض ، يوم خلقت الأرض " ، رواه البيهقي ، وذكره في الإمام ، فهو وإن سكت عنه في الإمام مضعف بعبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري . ثم اعلم أن المستخرج من المعدن ثلاثة أنواع : جامد يذوب وينطبع كالنقدين والحديد ونحوه ، وما ليس بجامد كالماء والقير والنفط ، وجامد لا ينطبع كالجص والنورة والزرنيخ ، وسائر الأحجار كالياقوت ، والملح ، ولا يجب الخمس إلا في النوع الأول ، وعند الشافعي لا يجب إلا في النقدين ( متفق عليه ) قال ميرك : ورواه الأربعة .




الخدمات العلمية