الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الفصل الثالث )

2095 - عن عبادة‌‌‌‌‌‌‌ ‌بن‌ الصامت قال : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال : " خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان ، فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة " رواه البخاري .

التالي السابق


( الفصل الثالث )

2095 - ( عن عبادة بن الصامت قال : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى ) بالحاء المهملة أي تنازع وتخاصم ( رجلان من المسلمين ) قيل : هما عبد الله بن أبي حدرد ، وكعب بن مالك ، أي وقعت بينهما منازعة ، والظاهر أنها التي كانت في الدين الذي للأول على الثاني فأمره - صلى الله عليه وسلم - بوضع شطر دينه عنه فوضعه ، ذكره ابن حجر ( فقال : " خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت ) بصيغة المجهول أي تعيينا عن خاطري فنسيت تعيينها لاشتغالي بالمتخاصمين ، وليس معناه أن ذاتها رفعت كما توهمه بعض الشيعة ، إذ ينافيه قوله الآتي " فالتمسوها " ، بل معناه : فرفعت معرفتها التي يستند إليها إخبار " وعسى أن يكون " أي الإبهام ، وقال الطيبي : أي الرفع ، وقال ابن حجر : أي رفعها ، ولكن فيه إبهام " خيرا لكم " حيث يحثكم على الاجتهاد في جميع ليالي الأيام ، ويخلصكم عن الغرور والعجب والرياء والسمعة بين الأنام ، وقد استنبط السبكي من هذا أنه يسن كتمها لمن رآها ، لأن الله - تعالى - قدر لنبيه أنه لم يخبر بها ، والخبر كله فيما قدره له ، فيستحب اتباعه في ذلك ، قال ابن حجر : وفي هذا الأخذ وقفة لما مر أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يطلع على عينها ، وإنما قيل له : إنها تكون في ليلة كذا ، ثم أنسي هذا ، فالذي أنسيه ليس للاطلاع عليها لأنه لا ينسى ، بل علم عينها كما تقرر اهـ وفيه أن قوله أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يطلع على عينها جراءة عظيمة ، ومن أين له الاطلاع أولا وآخرا ؟ ثم إنما يكون الاستنباط والأخذ بالمقايسة عند عدم الاطلاع على عينها ، بل في نسيان معرفتها ، وإلا فالمتابعة على تقدير الاطلاع لأمره بالإخفاء ، فمن أين لغيره الاطلاع المجزوم بها ؟ فإن طريق الكشف ظني ، ووجه العلامات الظاهرة فيها غير قطعي ، مع احتمال أنها في تلك السنة ، كذلك فيستوي حينئذ إخباره وإخفاؤه ، ومع هذا كما قال السبكي يسن كتمها ، ولعله أراد هذا المعنى ، والله أعلم . " فالتمسوها " أي فبالغوا في التماسها لعلكم تجدونها ، وقال ابن حجر : التمسوا وقوعها فلا ينافي رفع علم عينها اهـ وفيه أنه لا معنى لالتماس وقوعها كما لا يخفى إذ لا يتصور وقوعها بالتماسها ، ولا يتخلف وقوعها عن عدم التماسها ، ثم قوله - صلى الله عليه وسلم - " التمسوها " يدل على رفع عينها ، فلا يحتاج إلى تقدير غير صحيح ، ليفرع عليه بقوله فلا ينافي رفع علم عينها ، فتأمل ، فإنه تكرر الزلل ، ثم رأيت أنه تبع الطيبي فوقع فيما وقع ، قال الطيبي : قيل : رفعت معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس ، أقول : لعل مقدر المضاف ذهب إلى أن رفع ليلة القدر مسبوق بوقوعها وحصولها ، فإذا حصلت لم يكن لرفعها بمعنى ، ويمكن أن يقال : المراد برفعها أنها شرعت أن تقع فلما تلاحا ارتفعت ، فنزل الشروع منزلة الوقوع ، ومن ثم عقبه بقوله فالتمسوها أي التمسوا وقوعها لا معرفتها اهـ . ولعل الصواب ما عبر عنه بلعل ، ولا يمكن أن يقال لأنه يلزم منه ارتفاع عينها ، وهو خلاف ما عليه الحق نقلا وعقلا ، إذ الملاحاة قد تكون سببا لنسيان معرفة شيء ، ولا يتصور أن تكون سببا لارتفاع وقوع شيء ، وأيضا إذا شرع في الوقوع ثم ارتفع لا يكون مما ينسى ، مع أن الشروع في الوقوع مما لم يتبين له من المعنى ، ثم قوله : ومن ثم عقبه بقوله " فالتمسوها " أي التمسوا وقوعها لا معرفتها غير مستقيم على أصله ، فتدبر " في التاسعة " أي الباقية ، وهي التاسعة والعشرون ، وقال ابن حجر : أي في التاسعة من آخر الشهر ، وهي ليلة الحادية والعشرون " والسابعة والخامسة " على ما تقدم ( رواه البخاري ) .

[ ص: 1445 ]



الخدمات العلمية