الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الفصل الثاني )

2198 - عن أبي سعيد الخدري قال : جلست في عصابة من ضعفاء المهاجرين وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري وقارئ يقرأ علينا إذ جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقام علينا ، فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكت القارئ ، فسلم ، ثم قال : " ما كنتم تصنعون ؟ " قلنا : كنا نستمع إلى كتاب الله ، فقال : " الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم " قال : فجلس وسطنا ليعدل بنفسه فينا ، ثم قال بيده هكذا فتحلقوا ، وبرزت وجوههم له فقال : " أبشروا يا معشر صعاليك المهاجرين بالنور التام يوم القيامة . تدخلون الجنة قبل أغنياء الناس بنصف يوم ، وذلك خمسمائة سنة ) . رواه أبو داود .

التالي السابق


( الفصل الثاني )

2198 - ( عن أبى سعيد الخدري قال : جلست في عصابة ) بالكسر ، أي جماعة ( من ضعفاء المهاجرين ) يعني أصحاب الصفة ( وإن بعضهم ليستتر ببعض من العري ) ، أي من أجله بضم العين وسكون الراء ، أي من كان ثوبه أقل من ثوب صاحبه كان يجلس خلف صاحبه تسترا به ، والجملة حالية ، والمراد العري مماعدا العورة فالتستر لمكان المروءة لا تسمح بانكشاف ما لا يعتاد كشفه ( وقارئ يقرأ علينا ) حال أيضا لنستمع ونتعلم ( إذ جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) إذ للمفاجأة ( فقام ) ، أي وقف ( علينا ) ، أي على رءوسنا ، أي كنا غافلين عن مجيئه فنظرنا فإذا هو قائم فوق رءوسنا يستمع إلى كتاب الله ( فلما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سكت القارئ ) ، أي تأدبا لحضوره وانتظارا لما يقع من أموره ( فسلم ) ، أي الرسول ( ثم قال ) النبي ( ما كنتم تصنعون ؟ ) إنما سألهم مع علمه بهم ليجيبهم بما أجابهم مرتبا على حالهم وكمالهم ( قلنا : نستمع إلى كتاب الله ) ، أي إلى قراءته أو إلى قارئه ( فقال : الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم ) ، أي جعل من جملة زمرة الفقراء الملازمين لكتاب الله المخلصين المتوكلين على الله مقربين عند الله بحيث أمرني بالصبر معهم في قوله - عز وجل - واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه شكرا لصنيعهم وردا على الكفار حيث قالوا : اطرد هؤلاء الفقراء عنك حتى نجالسك ونؤمن بك ، وقول ابن حجر : فملت إلى ما قالوا مردود لأنه لا يعلم هذا إلا من قبله ، ولم يرد عنه - صلى الله عليه وسلم - بل لو ورد لكنا نحمل على أني قاربت أن أميل إليهم ، ولا يدل على ما قاله قوله " واصبر " لأن المراد به الدوام على ما هو عليه من كمال الصبر كما قيل في قوله - تعالى - يا أيها النبي اتق الله ( قال ) ، أي الرواي ( فجلس ) ، أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( وسطنا ) بسكون السين وقد يفتح ، أي بيننا لا بجنب أحد منا ( ليعدل بنفسه فينا ) ، أي يكون عادلا بإجلاس نفسه الأنفس فينا على وجه التسوية بالقرب إلى كل منا ، وقال الطيبي : ليجعل نفسه عديلا ، وزاد بعضهم : بجلوسه فينا تواضعا ورغبة فيما نحن فيه ( ثم قال ) ، أي أشار ( بيده هكذا ) أي اجلسوا حلقا ( فتحلقوا ) ، أي قبالة وجهه - عليه الصلاة والسلام - دل عليه قوله ( وبرزت ) ، أي ظهرت ( وجوههم ) له بحيث يرى - عليه الصلاة والسلام - وجه أحد منهم امتثالا لقوله - تعالى - ولا تعد عيناك عنهم أي ظاهرا وباطنا ، وقال ابن حجر : أي مميلا لساعدها وكوعها حتى تصير معوجة على هيئة الحلقة اهـ وهو محتاج إلى دليل مع أنه مستغنى عنه ( فقال : أبشروا ) أي افرحوا ( يا معشر صعاليك المهاجرين ) ، أي جماعة الفقراء من المهاجرين جمع صعلوك ( بالنور التام ) ، أي الكامل ( يوم القيامة ) وفيه إشارة إلى أن نور الأغنياء لا يكون [ ص: 1501 ] تاما ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - : من أحب آخرته أضر بدنياه ، ومن أحب دنياه أضر بآخرته ، فآثر ما يبقى على ما يفنى . ( تدخلون الجنة ) استئناف فيه معنى التعليل ( قبل أغنياء الناس ) ، أي : الشاكرين ( بنصف يوم ) واعلم أن المراد بالفقراء هم الصالحون الصابرون ، وبالأغنياء الصالحون الشاكرون المؤدون حقوق أموالهم بعد تحصيلها مما أحل الله لهم ، فإنهم يتوقفون في العرصات للحساب من أين حصلوا المال ؟ وفى أين صرفوه في المآل ؟ وذلك يدل على أن حظ الفقراء في القيامة أكثر من حظ الأغنياء ; لأنهم وجدوا لذة وراحة في الدنيا ، ولذلك حالهم في الجنة أعلى وأغلى لقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( أجوعكم في الدنيا أشبعكم في الآخرة ) وهذا الحديث نص على أن الفقير الصابر أفضل من الغني الشاكر ( وذلك ) ، أي : نصف يوم القيامة ( خمسمائة سنة ) لقوله تعالى : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون ولعل هذا المقدار بالنسبة إلى عموم المؤمنين ويخفف على بعضهم إلى أن يصير بالإضافة إلى الخواص كوقت صلاة أو مقدار ساعة ، وورد أن ذلك اليوم على بعض المؤمنين كركعتي الفجر ، وأفاد قوله تعالى : وأحسن مقيلا أن غاية ما يطول ذلك اليوم على بعض المؤمنين من الفجر إلى الزوال وهو نصف يوم من أيام الآخرة المعادل لألف سنة ، المراد من قوله تعالى : وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون وأما قوله تعالى : في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فمخصوص بالكافرين ، فهو يوم عسير على الكافرين غير يسير ( رواه أبو داود ) .




الخدمات العلمية