الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
25 - وعن أنس : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل ، قال : ( يا معاذ ) قال : لبيك يا رسول الله وسعديك . قال : ( يا معاذ ) قال : لبيك يا رسول الله وسعديك - ثلاثا - قال : قال : ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا من قلبه إلا حرمه الله على النار . قال : يا رسول الله أفلا أخبر به الناس فيستبشروا ؟ قال : إذا يتكلوا ؛ فأخبر بها معاذ عند موته تأثما . متفق عليه .

التالي السابق


25 - ( وعن أنس ) : مر ذكره ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعاذ رديفه على الرحل ) : الجملة حالية معترضة بين اسم أن وخبرها ( قال : يا معاذ ) قال : أي معاذ ( لبيك ) : مثنى مضاف بني للتكرير من غير حصر من لب : أجاب أو أقام ، أي أجبت لك إجابة بعد إجابة ، أو أقمت على طاعتك إقامة بعد إقامة ( رسول الله ) : بحذف حرف النداء لكمال القرب ( وسعديك ) عطف على لبيك ، أي ساعدت طاعتك مساعدة بعد مساعدة ( قال : يا معاذ ، قال : لبيك يا رسول الله وسعديك ) : تكرير النداء لتأكيد الاهتمام بما يخبر ، وليكمل تنبيه معاذ فيما يسمعه فيكون أوقع في النفس وأشد في الضبط والحفظ ( قال : يا معاذ ، قلت : لبيك رسول الله وسعديك ثلاثا ) أي وقع هذا النداء والجواب ثلاث مرات ، وفي النسخ المصححة كلها بحذف حرف النداء في رسول الله ، ووقع في نسخة ابن حجر وجودها في الثالثة ، فأطنب في توجيهه ( قال ) : وفي نسخة قال مكررا ، أي قال أنس ( قال ) - صلى الله عليه وسلم - : ( ما من أحد ) " من " زائدة لاستغراق النفي ، و " أحد " مبتدأ ، وصفته يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صدقا ) : مصدر فعل محذوف أي يصدق صدقا [ ص: 99 ] وقوله : ( من قلبه ) صفة " صدقا " ؛ لأن الصدق قد لا يكون من قلب أي اعتقاد كقول المنافق : إنك لرسول الله ، أو يكون بمعنى " صادقا " حال من فاعل يشهد ، وخبر المبتدأ قوله : ( إلا حرمه الله على النار ) وهو استثناء مفرغ ، أي ما من أحد يشهد محرم على شيء إلا محرما على النار ، والتحريم بمعنى المنع ، حكي عن جماعة من السلف منهم ابن المسيب أن هذا كان قبل نزول الفرائض والأمر والنهي ، وقال بعضهم : معناه من قال الكلمة وأدى حقها وفريضتها فيكون الامتثال والانتهاء مندرجين تحت الشهادتين ، وهذا قول الحسن البصري ، وقيل : إن ذلك لمن قالها عند الندم والتوبة ومات على ذلك قبل أن يتمكن من الإتيان بفرض آخر ، وهذا قول البخاري ، والأقرب أن يراد تحريم الخلود . ( قال : يا رسول الله ، أفلا أخبر به الناس ؟ ) : في وضع أخبر موضع أبشر ، تجريد أو رجوع إلى أصل اللغة أو اكتفاء بقوله : ( فيستبشروا ) أي يفرحوا بحيث يظهر أثر السرور على بشرتهم لما فيه من عظم العفو إذا لم يسمعوا به قبل ذلك ( قال : إذا يتكلوا ) إذن حرف جواب وجزاء ، وقد يستعمل لمحض الجواب كما هنا ، أي لا تخبرهم بذلك ؛ لأنك إن أخبرتهم وبهذه البشارة بشرتهم يعتمدوا على ألطاف الربوبية ، ويتركوا حق العبودية فينجروا إلى نقصان درجاتهم ، وتنزل حالاتهم ، وهذا حكم الأغلب من العوام ، وإلا فالخواص كلما بشروا زادوا في العبادة كما وقع للعشرة المبشرة وغيرهم ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - في جواب من قال له : أتقوم في الليل حتى تتورم قدماك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ - أفلا أكون عبدا شكورا ) ( فأخبر بها ) أي بهذه الجملة ، أو القصة ، أو البشارة ( معاذ عند موته ) : لبعض أصحابه ، والظاهر أن ضمير موته إلى معاذ . وقال الكرماني : يحتمل أن يعود إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .

( تأثما ) : مفعول له أي تجنبا ، وتحرزا عن إثم كتم العلم ، إذ في الحديث : ( من كتم علما ألجم بلجام من نار ) . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية