الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3430 - وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب إذا هو برجل قائم ، فسأل عنه ، فقالوا : أبو إسرائيل نذر أن يقوم ولا يقعد ، ولا يستظل ولا يتكلم ويصوم ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه " . رواه البخاري .

التالي السابق


3430 - ( وعن ابن عباس - رضي الله عنه - قال : بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ) : بإشباع فتحة نون بين أي فيما بين أوقات له - صلى الله عليه وسلم - ( يخطب فإذا ) : وفي نسخة إذ وهي للمفاجأة ( هو ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( برجل قائم ) ، يجر على الصفة والتقدير : عنده أو بين يديه ( فسأل ) : أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أصحابه عنه ) : أي عن قيامه أو عن اسمه أو رسمه فقالوا : أبو إسرائيل : أي هو ملقب بذلك ، وأبو إسرائيل هذا رجل من بني عامر بن لؤي من بطون قريش ، قال القاضي : الظاهر من اللفظ أن المسئول عنه هو اسمه ، ولذا أجيب بذكر اسمه ، وأن ما بعده زيادة في الجواب ، ويحتمل أن يكون المسئول عنه حاله ، فيكون الأمر بالعكس ، ولعل السؤال لما كان محتملا لكل واحد من الأمرين أجابوا بهما جميعا ( نذر أن يقوم ولا يقعد ، ولا يستظل ولا يتكلم ) : أي مطلقا ( ويصوم ) ، أي دائما ( فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " مروه " ) : أي له ولأمثاله ، وفي نسخة : مره بصيغة المفرد لرئيس القائلين ، والجمع أطلق لقالوا ، فإن الظاهر أن القول وقع منهم جميعا فقال : مروه أي كلكم لزيادة التأثير في نفسه ( " فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم " ) : بسكون اللام وكسرها في الجميع ( " صومه " ) . أي ليكمل صومه وليتم على دوام صيامه ، فإن النذر على الطاعة لازم ، وصيام الدهر محمود لمن يقدر عليه ، ويستثنى منه الأيام الخمسة المنهي شرعا وعرفا وإن نواها يجب عليه إفطارها ويلزمه الكفارة بها عندنا ، وإنما أمره بالتكلم فإنه قد يجب كالقراءة ورد السلام فتركه معصية ، وأما عدم القعود وترك الاستظلال فيما لا تطيقه قوة البشر ، فأمره بالحنث قبل أن يضره بعض الوفاء به حيث لن يتم له ذلك . قال القاضي رحمه الله : أمره - صلى الله عليه وسلم - بالوفاء بالصوم والمخالفة فيما عداه ، فدل على أن النذر لا يصح إلا فيما فيه قربة . قلت : لا دلالة فيه ، وقد تقدم ما يدل على ثبوت عموم النذر . قال : وما لا قربة فيه فنذره لغو لا عبرة به ، وبه قال ابن عمر - رضي الله عنهما - وغيره من الصحابة ، وهو مذهب مالك والشافعي ، وقيل : إن كان المنذور مباحا يجب الإتيان به ، لما روي أن امرأة قالت : يا رسول الله ! إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف . قال : " أوفي بنذرك " . وإن كان محرما تجب كفارة اليمين لما روت عائشة أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال : " لا نذر في معصية ، وكفارته كفارة اليمين " . ولما روي عن عقبة أنه - عليه الصلاة والسلام - قال : " كفارة النذر كفارة اليمين " . والجواب عن الأول أنها لما قصدت بذلك إظهار الفرح بمقدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - والمسرة بنصرة الله للمؤمنين ، وكانت فيه مساءة الكفار والمنافقين التحق بالقربات ، مع أن الغالب في أمثال هذا الأمر أن يراد به الإذن دون الوجوب ، وعن الثاني أنه حديث ضعيف لم يثبت عند الثقات .

قلت : قد تقدم أنه حديث صحيح . قال : وعن الثالث أنه ليس في هذا الباب إذ الرواية الصحيحة عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " كفارة النذر إذا لم يسم كفارة اليمين " . وذلك مثل أن يقول : لله علي نذر ولم يسم شيئا . قلت : قد تقدم الكلام على الحديث فتدبر . قال : وقال أصحاب أبي حنيفة رحمهم الله تعالى : لو نذر صوم العيد لزمه صوم يوم آخر ، ولو نذر نحر ولده لزمه ذبح شاة ، ولو نذر ذبح والده اتفقوا على أنه لا يلزمه ذلك ، ولعل الفرق أن ذبح الولد كان قبل الإسلام ينذرونه ويعدونه قربة بخلاف ذبح الوالد . ( رواه البخاري ) .

[ ص: 2248 ]



الخدمات العلمية