الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3440 - وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - : أن رجلا قام يوم الفتح فقال : يا رسول الله إني نذرت لله عز وجل إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين قال : " صل هاهنا " . ثم أعاد عليه ، فقال : " صل هاهنا " . ثم أعاد عليه فقال : " شأنك إذا " . رواه أبو داود ، والدارمي .

التالي السابق


3440 - ( وعن جابر بن عبد الله ) : صحابيان جليلان ( أن رجلا قام ) أي : وقف للسؤال ( يوم الفتح فقال : يا رسول الله إني نذرت لله عز وجل إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ) : بفتح ميم وكسر دال وهو المسجد الأقصى ( ركعتين ) : ولعله كان يزعم أن الصلاة فيه أفضل من الصلاة بمكة . ( قال : " صل هاهنا " ) أي : في المسجد الحرام بمكة ، فإنه أفضل مع كونه أسهل ( ثم أعاد عليه ) أي : السؤال ( فقال : " صل هاهنا " ) : أمر استحباب ( ثم أعاد عليه ) أي : الكلام ( فقال : " شأنك " ) : بالنصب على المفعول به أي : الزم شأنك ، والمعين أنت تعلم ( " إذا " ) : بالتنوين جواب وجزاء أي : إذا أبيت أن تصلي هاهنا فافعل ما نذرت به من صلاتك في بيت المقدس . في شرح الهداية : لو نذر أن يصلي في مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخرج عن نذره إذا صلى في المسجد الحرام ، ولا يخرج إذا صلى في المسجد الأقصى لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " وصلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " . ولو نذر أن يصلي في المسجد الحرام فلا يخرج عن نذره بالصلاة في غيره ، ولو نذر أن يصلي في المسجد الأقصى فصلى في المسجد الحرام ، وفي مسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم - يخرج عن النذر لهذا الحديث اهـ .

وقال علماءنا : المذهب عندنا أن من نذر أن يصلي في مكان فصلى في غيره دونه أجزأه ، وفي المصفى : اعلم أن أقوى الأماكن المسجد الحرام ثم مسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم مسجد بيت المقدس ، ثم الجامع ، ثم مسجد الحي ، ثم البيت . فلو نذر إنسان أن يصلي ركعتين في المسجد الحرام لا يجوز أداؤها إلا في ذلك الموضع ، عند زفر خلافا لأصحابنا : وإن نذر أن يصلي ركعتين في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يجوز أداؤهما إلا في مسجده - صلى الله تعالى عليه وسلم - أو في المسجد الحرام ، وإن نذر أن يصلي في بيت المقدس يجوز أداؤهما في المساجد الثلاثة ، ولا يجوز في غيرها من سائر البلاد ، وعلى هذا القياس : الجامع ومسجد الحي والبيت ، وقيل : أبو يوسف أيضا مع زفر والله تعالى أعلم .

[ ص: 2253 ] قال ابن الهمام : إذا نذر ركعتين في المسجد الحرام فأداها في أقل شرفا منه أو فيما لا شرف له أجزأه خلافا لزفر . له : أنه نذر بزيادة قربة فيلزمه . قلنا : عرف من الشرع أن التزامه ما هو قربة موجب ، ولم يثبت عن الشرع اعتبار تخصيص العبد العبادة بمكان ، بل إنما عرف ذلك تعالى فلا يتعدى لزوم أصل القربة بالتزامه إلى التزام التخصيص بمكان ، فكان ملغى ، وبقي لازما بما هو قربة . فإن قلت : من شروط النذر كونه لغير معصية ، فكيف قال أبو يوسف رحمه الله : إذا نذر ركعتين بلا وضوء يصح نذره خلافا لزفر ؟ فالجواب : أن محمدا رحمه الله أهدره لذلك ، وأما أبو يوسف ، فإنما صححه بوضوء نظرا إلى التزام الشرط فقوله بعد ذلك بغير وضوء لغو لا يؤثر . ( رواه أبو داود ، والدارمي ) .




الخدمات العلمية