الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3989 - وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال : " بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهره مع رباح غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا معه ، فلما أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقمت على أكمة ، فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا : يا صباحاه ، ثم خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل ، وأرتجز وأقول : أنا ابن الأكوع واليوم يوم الرضع فما زلت أرميهم وأعقر بهم حتى ما خلق لله من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري ، ثم اتبعتهم أرميهم ، حتى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحا يستخفون ، ولا يطرحون شيئا إلا جعلت عليه آراما من الحجارة ، يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم بعبد الرحمن فقتله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير فرساننا اليوم أبو قتادة ، وخير رجالتنا سلمة " . قال ، ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين : سهم الفارس وسهم الراجل ، فجمعهما إلي جميعا ، ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم وراءه على العضباء راجعين إلى المدينة . رواه مسلم .

التالي السابق


3989 - ( وعن سلمة بن الأكوع قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بظهره ) : أي إبله ومركوبه . في النهاية : الظهر الإبل التي يحمل عليها ويركب يقال : عند فلان ظهر ; أي إبل ( مع رباح ) : بفتح الراء ( غلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) : أي مولى له ، ولم يذكره المؤلف في أسمائه ( وأنا معه فلما أصبحنا ) : أي في منزل ( إذا ) : للمفاجأة ( عبد الرحمن الفزاري ) : بفتح الفاء والزاي ، روي بقاف مضمومة ( قد أغار على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قمت على أكمة ) : بفتحات ; أي : مكان مرتفع ( فاستقبلت المدينة فناديت ثلاثا ) : أي : ثلاث مرات ( يا صباحاه ) : كلمة يقولها المستغيث ، وأصلها إذا صاحوا للغارة ; لأنهم أكثر ما يغيرون عند الصباح فكأن المستغيث يقول : قد غشينا العدو ، وقيل : هو نداء المقاتل عند الصباح يعني : قد جاء وقت الصباح فتهيئوا للقتال ، ( ثم خرجت في آثار القوم ) : أي أعقابهم ( أرميهم بالنبل ) : أي السهم ( وأرتجز ) : في القاموس : الرجز محركة ضرب من الشعر وزنه مستفعلن ست مرات ، سمي لتقارب أجزائه وقلة حروفه ، وزعم الخليل أنه ليس بشعر ، وبها هو أنصاف أبيات وأثلاث ، والأرجوزة القصيدة منه ، وقد رجز وارتجز ورجز به ورجزه أنشد أرجوزة . ( أقول ) : بدل ، أو حال ; أي قائلا ( أنا ابن الأكوع ) : بسكون العين وفي نسخة بكسرها ( واليوم يوم الرضع ) : بضم الراء وتشديد المعجمة جمع [ ص: 2573 ] راضع . قال النووي أي : يوم هلاك اللئام من قولهم : لئيم راضع أي : رضيع اللؤم في بطن أمه ، وقيل : لأنه يمص حلمة الشاء والناقة ؛ لئلا يسمع السؤال ، والضيفان صوت الحلاب فيقصدوه ، وقيل : اليوم يعرف من أرضعته كريمة فأشجعته ، أو لئيمة فهجنته ، وقيل : معناه اليوم يعرف من أرضعته الحرب من صغره وتدرب بها ويعرف غيره اهـ . أو المعنى اليوم تهلكون أيهـا الكفار بأيدينا ، فإنكم عاجزون كالأطفال الذين يرضعون عندنا ، ( فما زلت أرميهم ، وأعقر بهم ) أي : أقتل مركوبهم وأجعلهم راجلين بعقر دوابهم ( حتى ما خلق الله ) : " ما " نافية ( من بعير من ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : من إبله بيان قوله من بعير ، ومن فيه زائدة تفخيما لشأنها ( إلا خلفته ) : بتشديد اللام أي : تركته ( وراء ظهري ) : فيه تجريد ، أو تأكيد ( ثم اتبعتهم ) : بتشديد التاء الأولى ( أرميهم ، حتى ألقوا ) أي : طرحوا ورموا أكثر من ثلاثين بردة ) : وهي شملة مخططة ، أو كساء أسود مربع صغير يلبسه الأعراب ( وثلاثين رمحا ، يستخفون ) : بتشديد الفاء أي : يطلبون الخفة بإلقائها في الفرار ( ولا يطرحون شيئا ) أي : من البرد والرمح وغيرهما ( إلا جعلت عليه آراما ) : بمد في أوله جمع إرم كعنب وأعناب وهو العلامة فقوله : ( من الحجارة ) : تجريد ، أو تأكيد ( إلا يعرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ) : في النهاية : كان من عادة الجاهلية إذا وجدوا شيئا في طريقهم لا يمكنهم استصحابه تركوا عليه حجارة يعرفونه بها ، حتى إذا عادوا أخذوه ( حتى رأيت فوارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : أقبلوا ( ولحق أبو قتادة فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : منهم ( بعبد الرحمن ) أي : الفزاري ( فقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير فرساننا " ) جمع فارس راكب الفرس ( اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة ) بتشديد الجيم جمع راجل بمعنى الماشي على ما في القاموس ، ونظيره السيارة جمع سائر ، والنظارة جمع ناظر . قال النووي : فيه فضيلة الشهادة ومنقبة لسلمة وأبي قتادة ، وجواز الثناء على من فعل جميلا ، واستحقاق ذلك إذا ترتب عليه مصلحة وجواز عقر خيل العدو في القتال ، واستحباب الرجز في الحرب وجواز القول : بأني أنا ابن فلان وجواز المبارزة بغير إذن الإمام وحب الشهادة والحرص عليها ، وإلقاء النفس في غمرات الموت .

( قال ) أي : أبو سلمة ( ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم سهمين : سهم الفارس ) : وهو ثلاثة أسهم ، أو سهمان على ما سبق ، ( وسهم الراجل ) أي : أعطاني سهم فارس مع سهم راجل ; لأن معظم أخذ تلك الغنيمة كانت بسبب سلمة ، وللإمام أن يعطي من أكثر سعيه في الجهاد شيئا زائدا على نصيبه لترغيب الناس ، وإنما لم يعطه رسول الله صلى الله عليه وسلم الجميع ; لأنه لم ينفل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل القتال ، وقيل : إن من حضر الحرب قبل انقضائها بنية الحرب فهو شريك في الغنيمة ، وتسمى هذه الغزوة غزوة ذي قرد بفتح القاف ، والراء ، وهو موضع قريب من المدينة ، وكانت في السنة السادسة ، ( فجمعهما إلي جميعا ) أي : هذا من خصوصياتي . قال الخطابي : يشبه أن يكون إنما أعطاه من الغنيمة سهم الراجل فحسب ; لأن سلمة كان راجلا في ذلك اليوم ، وأعطاه الزيادة نفلا لما كان من جنس بلائه . ( ثم أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : أركبني ( وراءه ) أي : وراء ظهره ( على العضباء ) : ناقة له صلى الله عليه وسلم ( راجعين ) : بصيغة التثنية وفي نسخة بصيغة الجمع ( إلى المدينة ، رواه البخاري ) : وكذا مسلم

[ ص: 2574 ]



الخدمات العلمية