الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الفصل الثاني

4532 - عن أسامة بن شريك قال : قالوا : يا رسول الله أفنتداوى ؟ قال : " نعم ، يا عباد الله ! تداووا ، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء ، غير داء واحد ، الهرم " . رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود .

التالي السابق


الفصل الثاني

4532 - ( عن أسامة بن شريك ) : صحابي ( رضي الله عنه ، قال : قالوا ) : أي : بعض الصحابة ( يا رسول الله ! أفنتداوى ؟ ) : أي : أنترك ترك المعالجة فنطلب الدواء إذا عرض الداء ، ونتوكل على خالق الأرض والسماء ؟ والاستفهام للتقرير ، وهو الملائم لرواية الراوي . أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : ( نعم ) : وأما قول الطيبي : الفاء عطف على مقدر تستدعيه الهمزة يعني : أنعتبر الطب فنتداوى أو نتوكل على الله ونترك التداوي ؟ فلا خفاء أنه لا يلائمه الجواب بقوله : نعم ، وأيضا جعل التوكل من قسم ترك التداوي غير صحيح في المعنى . ( يا عباد الله ) : إشارة إلى أن التداوي لا ينافي العبودية ، ولا يدع التوكل على صاحب الربوبية ، ولذا قال في الحديث : " اعقل وتوكل " .

( تداووا ) : تأكيدا لما فهم من قوله : " نعم " ، والمعنى تداووا ولا تعتمدوا في الشفاء على التداوي ، بل كونوا عباد الله متوكلين عليه ، ومفوضين الأمور إليه ، وكذا توطئة لقوله : ( فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء ، غير داء واحد ، الهرم ) : بفتح الهاء والراء وهو بالجر على أنه بدل من داء ، وقيل خبر مبتدأ محذوف هو هو ، أو منصوب بتقدير أعني ، والمراد به الكبر ، وجعله داء تشبيها له ، فإن الموت يعقبه كالأدواء ذكره الطيبي ، والأظهر أنه منبع الأدواء ، ولهذا قال شيخ كبير لأحد من الأطباء : سمعي ضعيف ، فقال : من الكبر . قال في بصري غشيان ، فقال : من الكبر ، فقال : ليس لي قوة على المشي وعلى البطش ، ولي انكسار في الظهر ، ووجع في الجنب وأمثال ذلك . فقال في كل منها : إنه من الكبر ، فساء خلقه ، فقال : ما أجهلك كله من الكبر ، فقال : هذا أيضا من الكبر ، وقد قالوا : من ابتلي بالكبر فقد ابتلي بألف داء .

قال الموفق البغدادي : الداء : خروج البدن والعضو عن اعتداله بإحدى الدرج الأول ، ولا شيء منها إلا وله ضد وشفاء الضد بضده ، وإنما يتعذر استعماله للجهل به ، أو فقده ، أو موانع أخرى ، وأما الهرم فهو اضمحلال طبيعي وطريق إلى الفناء ضروري ، فلم يوضع له شفاء ، والموت أجل مكتوب لا يزيد ولا ينقص . ( رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ) : وفي الجامع الصغير : " تداووا يا عباد الله " إلخ . رواه أحمد والأربعة والحاكم عنه ، وذكر السيوطي في شرح النقاية أنه : روى الحاكم وغيره عنه قال : قالوا : يا رسول الله ! أهل علينا جناح أن نتداوى ؟ قال : " تداووا عباد الله ، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء " . وفي لفظة : " إلا وضع له دواء غير داء واحد الهرم "

[ ص: 2872 ]



الخدمات العلمية