الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4554 - وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " ما أبالي ما أتيت إن أنا شربت ترياقا أو تعلقت تميمة أو قلت الشعر من قبل نفسي . رواه أبو داود .

التالي السابق


4554 - ( وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - ) : قال الشيخ ابن حجر العسقلاني : صوابه عبد الله بن عمرو ، كما في جامع الأصول ابن عمرو بن العاص ( قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما أبالي ما أتيت ) أي : " ما فعلت " ما الأولى نافيه ، والثانية موصولة ، والراجع محذوف والموصول مع الصلة مفعول أبالي وقوله ( إن أنا شربت ترياقا ) : إلى آخره شرط جزاؤه محذوف يدل عليه ما تقدم ، والمعنى إن صدر مني أحد الأشياء الثلاثة كنت ممن لا يبالي بما يفعل ولا ينزجر عما لا يجوز فعله شرعا ذكره الطيبي ، وقيل المعنى : إن فعلت هذا فما أبالي كل شيء أتيت به ، لكن أبالي من إتيان بعض الأشياء ، ثم الترياق بكسر أوله وجوز ضمه وفتحه على ما في بعض النسخ ، لكن المشهور الأول ، وقد صرح به ابن الملك . وقال الأشرف : الترياق ما يستعمل لدفع السم من الأدوية والمعاجين وهو معرب ، ويقال بالدال أيضا وروي به في هذا الحديث ، وقال صاحب القاموس : الدرياق بالكسر ويفتح : الترياق وهو بكسر دواء مركب اخترعه ماغنيس وتممه أندر وماغس القديم بزيادة لحوم الأفاعي ، وبه كمل الغرض . وهو سماه بهذه لأنه نافع من لدغ الهوام السبعية وهو باليونانية ترياد نافع من الأدوية المشروبة السمية ، وهي باليونانية فاء ممدودة ، ثم خفف وعرب ، وهو طفل إلى ستة أشهر ، ثم مترعرع إلى عشرة سنين في البلاد الحارة وعشرين في غيرها . ثم يقف عشرا فيها وعشرين في غيرها ، ثم يموت ويصير كبعض المعاجين .

[ ص: 2881 ] قال الأشرف : وكره النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك من أجل ما يقع فيه من لحوم الأفاعي والخمر ، وهي حرام نجسة والترياق أنواع ، فإن لم يكن فيه شيء من ذلك فلا بأس به ، وقيل : الحديث مطلق والأولى اجتنابه كله ، ولما فيه من الانتزاع عن التوكل . ( أو تعلقت تميمة ) : أي : أخذتها علاقة ، والمراد من التميمة ما كان من تمائم الجاهلية ورقاها ، فإن القسم الذي اختص بأسماء الله تعالى وكلماته غير داخل في جملته ، بل هو مستحب مرجو البركة عرف ذلك من أصل السنة ، وقيل : يمنع إذا كان هناك نوع قدح في التوكل ، ويؤيده صنيع ابن مسعود - رضي الله عنه - على ما تقدم والله أعلم . ( أو قلت الشعر من قبل نفسي ) : أي : قصدته وتقولته لقوله تعالى : وما علمناه الشعر وما ينبغي له وأما قوله - صلى الله عليه وسلم :

أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب ؟

فذلك صدر لا عن قصد ولا التفات منه إليه أن جاء موزونا ، بل كان كلاما من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير تكلف ولا صنعة ، ولا يسمى الكلام الموزون من غير قصد الوزن شعرا على أن الرجز ليس بشعر عند الخليل أيضا ، وأما الشعر في حق غيره - صلى الله عليه وسلم - فمن جنس سائر الكلام حسنه حسن وقبيحه قبيح ، نعم توجه الباطن إليه وتضييع العمر الشريف والتفكير الكثير المانع عن الأمور الضرورية الدينية فيه مذموم ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - على ما رواه أحمد وأصحاب الكتب الستة عن أبي هريرة مرفوعا " لأن يمتلئ جوف رجل قيحا حتى يريه أي : يفسده - خير له من أن يمتلئ شعرا . قال ابن الملك : يعني إن إنشاء الشعر حرام علي ، وكذا شرب الترياق وتعليق التمائم حرامان علي ، وأما في حق الأمة فالتمائم وإنشاء الشعر غير حرام إذا لم يكن فيه كذب ، ولا هجو مسلم ، أو شيء من المعاصي ، وكذا الترياق الذي ليس فيه محرم شرعا من لحوم الأفاعي والخمر ونحوه والله أعلم . ( رواه أبو داود ) : وكذا أحمد عن ابن عمرو بالواو على ما في الجامع .




الخدمات العلمية