الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4685 - وعن أسيد بن حضير - رضي الله عنه - رجل من الأنصار - قال : بينما هو يحدث القوم - وكان فيه مزاح - بينا يضحكهم فطعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - في خاصرته بعود ، فقال : أصبرني . قال : " أصطبر " قال : إن عليك قميصا وليس علي قميص ، فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قميصه ، فاحتضنه وجعل يقبل كشحه ، قال : إنما أردت هذا يا رسول الله . رواه أبو داود .

التالي السابق


4685 - ( وعن أسيد بن حضير - رضي الله عنه - ) : بالتصغير فيهما أنصاري أوسي ، كان ممن شهد العقبة وشهد بدرا وما بعدها من المشاهد . روى عنه جماعة من الصحابة ، مات بالمدينة سنة عشرين ودفن بالبقيع ( رجل ) : بالرفع . وفي نسخة بالجر . قال الأشرف : في لفظ هذا الحديث في المصابيح اضطراب ، وجامع الأصول ينبئ عنه وهو فيه ، هكذا عن أسيد بن حضير قال : أن رجلا من الأنصار كان فيه مزاح ، فبينما هو يحدث القوم يضحكهم ، إذ طعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - بعود كان في يده قال : يا رسول الله أصبرني . قال : اصطبر إلخ ، فليس المراد بقوله : رجل من الأنصار هو أسيد بن حضير ، فلا يجوز جر رجل ، بل هو مرفوع على أنه مبتدأ ومخصصه قوله : ( من الأنصار ) : وخبره قوله : ( قال ) : مع فاعله المستكن فيه ( بينما ) : ظرف لقال ، قلت : وضمير ( هو يحدث القوم ) : للرجل ، وكذا بقية الضمائر من قوله : ( وكان فيه مزاح ) : إلخ . والمزاح بالضم في أكثر النسخ ، وفي بعضها بالكسر ، قال بعض الشراح : هو بضم الميم اسم المزاح بالكسر وهو المصدر ، وقال الجوهري : المزاح بالضم الاسم ، وأما المزاح بالكسر فهو مصدر مازحه ، والمفهوم من القاموس أنهما مصدران إلا أن الضم مصدر لمجرد ، والكسر مصدر لمزيد ، هذا وقال الأشرف والضمير في قوله : فيه للرجل ، وكان فيه مزاح جملة حالية من ضمير يحدث وقعت بين قوله : يحدث القوم ، وبين قوله : يضحكهم . قلت : وفي المتن ( بينا يضحكهم ) : قال وقوله : بينا مع ما بعده مقول لقال وبينا ظرف لقوله : طعنه أو لمحذوف دل عليه الفعل الظاهر ، والتقدير بينا يضحكهم فأضحكهم ( فطعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ) : عطف على قوله يضحكهم . اهـ كلام الأشرف في شرح الحديث على ما في جامع الأصول .

قال الطيبي : الحديث على ما هو في المتن والمصابيح مثبت في سنن أبي داود ، وفي نسخة يعتمد عليها ، فبقي أن يقال : إن الرجل الذي طعنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في خاصرته ، هل هو أسيد بن حضير أو غيره ؟ فعلى ما في جامع الأصول هو غيره ، وعلى ما في شرح السنة أنه هو ولفظه هكذا عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن أسيد بن حضير بينما هو يحدث القوم يضحكهم ، وكان فيه مزاح فطعنه النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكان أسيد بن حضير من نقباء الأنصار ، وتنزيل الحديث على هذه الرواية أسهل وأبعد من التكلف من تلك الرواية ، وما قيل أن قال خبر ، وبينما ظرف له خارج عن المراد ، فقوله رجل مجرور بدلا من أسيد ، وقال قول الراوي أي : قال الراوي ، وهو عبد الرحمن ، بينما أسيد يحدث إلخ . ولو كان القائل أسيدا لقال : فبينما أنا ، وبينا الثانية بدل منها ، وقوله فطعنه هو الجواب اهـ كلامه .

والمعنى : فضربه - صلى الله عليه وسلم - على طريق المزاح ( في خاصرته ) أي : شاكلته ( بعود ) أي : بخشب من عصا أو غيرها ( فقال : أصبرني ) : بفتح الهمزة وكسر الموحدة أي : أقدرني ومكني من استيفاء القصاص حتى أطعن في خاصرتك ، كما طعنت في خاصرتي ( قال : أصطبر ) : بصيغة المتكلم ، أي : أمكنك من القصاص واقتص من نفسي ، وفي نسخة صحيحة ؛ بل قيل هي الأصح اصطبر بصيغة الأمر أي : استوف القصاص ، والاصطبار الاقتصاص ذكره شارح . وفي النهاية قوله : أصبرني أي : أقدرني من نفسك . قال : استقد ، يقال : أصبر فلان من خصمه واصطبر أي :

[ ص: 2968 ] اقتص منه ، وأصبره الحاكم أي : أقصه من خصمه . قال صاحب الفائق : وأصله الحبس حتى يقتل ، وأصبره القاضي صبارا أقصه أو اصطبر ، أي : اقتص . ( قال : إن عليك قميصا وليس علي قميص ) : حكاية الحال الماضية ومن الظاهر أن يقال ولم يكن علي قميص ( فرفع النبي - صلى الله عليه وسلم - عن قميصه ) : عداه بعن لتضمينه معنى كشف ، أي : كشف عما ستره قميصه فرفعه عنه . ذكره الطيبي ونحوه قوله تعالى : وكشفت عن ساقيها ( فاحتضنه ) أي : اعتنقه وأخذه في حضنه ، وهو ما دون الإبط إلى الكشح ( وجعل يقبل كشحه ) أي : جنبه ، قال الشارح ، وتبعه ابن الملك : هو ما بين الخاصرة إلى الضلع الأقصر من أضلاع الجنب . ( قال : إنما أردت هذا يا رسول الله ) أي : ما أردت بقولي أصبرني إلا هذا التقبيل ، وما قصدت حقيقة القصاص ، أقول : وهذا لا مماثلة ، فإن هذا أعلى وأغلى مع أن له بطعنه أيضا من الدرجات العلى ما ينسى في جنبه جميع نعيم الدنيا . قال الطيبي : وفيه إشعار بإباحة المزاح إذا لم يكن فيه محذور شرعا ، وباستماعه أيضا . قلت : الظاهر أن المزاح بشرطه من باب الاستحباب ; لأنه معدود في شمائله ، وفيه أحاديث موضوعة لهذا الباب ، قال : وبأن الانبساط مع الوضيع من شيم الشريف . قلت : هذا غير مناسب لما اختاره من أن المازح هو أسيد بن حضير ، فإنه من أجلاء الصحابة ونقباء الأنصار . ( رواه أبو داود ) .




الخدمات العلمية