الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي

السخاوي - شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي

صفحة جزء
القسم الثاني : الحسن .


50 - والحسن المعروف مخرجا وقد اشتهرت رجاله بذاك حد      51 - حمد ، وقال الترمذي ما سلم
من الشذوذ مع راو ما اتهم      52 - بكذب ولم يكن فردا ورد
قلت وقد حسن بعض ما انفرد      53 - وقيل ما ضعف قريب محتمل
فيه ، وما بكل ذا حد حصل      54 - وقال بان لي فيه بإمعاني النظر
أن له قسمين كل قد ذكر      55 - قسما وزاد كونه ما عللا
ولا بنكر أو شذوذ شملا      56 - والفقهاء كلهم يستعمله
والعلماء الجل منهم يقبله      57 - وهو بأقسام الصحيح ملحق
حجية وإن يكن لا يلحق      58 - فإن يقل يحتج بالضعيف
فقل إذا كان من الموصوف      59 - رواته بسوء حفظ يجبر
بكونه من غير وجه يذكر      60 - وإن يكن لكذب أو شذا
أو قوي الضعف فلم يجبر ذا      61 - ألا ترى المرسل حيث أسندا
أو أرسلوا كما يجيء اعتضدا      62 - والحسن المشهور بالعداله
والصدق راويه إذا أتى له      63 - طرق أخرى نحوها من الطرق
صححته كمتن " لولا أن أشق "      64 - إذ تابعوا محمد بن عمرو
عليه فارتقى الصحيح يجري

.

[ التعريف بالحسن ] وقدم لاشتراكه مع الصحيح في الحجية ، والحسن لما [ ص: 86 ] كان بالنظر لقسميه الآتيين تتجاذبه الصحة والضعف - اختلف تعبير الأئمة في تعريفه ، [ بحيث أفرد فيه بعض متأخري شيوخ شيوخنا رسالة ] ، فقيل : هو ( المعروف مخرجا ) أي : المعروف مخرجه ، وهو كونه شاميا عراقيا مكيا كوفيا .

كأن يكون الحديث من رواية راو قد اشتهر برواية حديث أهل بلده ، كقتادة ونحوه في البصريين ، فإن حديث البصريين إذا جاء عن قتادة ونحوه ، كان مخرجه معروفا بخلافه عن غيرهم ، وذلك كناية عن الاتصال ; إذ المرسل والمنقطع والمعضل - لعدم بروز رجالها - لا يعلم مخرج الحديث منها ، وكذا المدلس - بفتح اللام - وهو الذي سقط منه بعضه ، مع إيهام الاتصال .

( وقد اشتهرت رجاله ) بالعدالة ، وكذا الضبط المتوسط بين الصحيح والضعيف ، ولا بد مع هذين الشرطين ألا يكون شاذا ولا معللا ، لكن ( بذاك ) أي بما تقدم من الاتصال والشهرة ( حد الإمام ) الحافظ الفقيه أبو سليمان ( حمد ) - بدون همزة ، وقيل : بإثباتها ، ولا يصح - ابن محمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي البستي الشافعي ، مصنف أعلام الجامع الصحيح للبخاري ، ومعالم السنن لأبي داود وغيرهما ، وأحد شيوخ الحاكم ، مات بـ " بست " في ربيع الآخر سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة ( 388هـ ) .

كما عرف الصحيح بأنه ما اتصل سنده وعدلت نقلته ، غير متعرض لمزيد ، ولأجل تعريفه له في معالمه بجانبه ، نوع العبارة ، وتعين حمل الاشتهار فيه على المتوسط كما قررته .

وتقوى به قول ابن دقيق العيد : وكأنه - أي : الخطابي - أراد ما لم يبلغ مرتبة الصحيح قال : ( وإلا فليس في عبارته كبير تلخيص لدخول الصحيح في التعريف ; لأنه أيضا قد عرف مخرجه ، واشتهر رجاله ) .

هذا مع أن التاج التبريزي ألزم ابن دقيق العيد بانتقاده إدخال الصحيح في [ ص: 87 ] الحسن ، مع قوله في الجواب عن استشكال جمع الترمذي بين الحسن والصحة - كما سيأتي - : كل صحيح حسن - التناقض .

وقال : ( إن دخول الخاص ، وهو هنا الصحيح ، في حد العام ضروري ، والتقييد بما يخرجه عنه مخل للحد ) . وقال الشارح : ( إنه متجه ) . انتهى .

وبه أيضا اندفع الاعتراض ، وحاصله : أن ما وجدت فيه هذه القيود كان حسنا ، وما كان فيه معها قيد آخر يصير صحيحا ، ولا شك في صدق ما ليس فيه على ما فيه ، إذا وجدت قيود الأول ، لكن قال شيخنا : إن هذا كله بناء على أن الحسن أعم مطلقا من الصحيح .

أما إذا كان من وجه - كما هو واضح لمن تدبره - فلا يرد اعتراض التبريزي ; إذ لا يلزم من كون الصحيح أخص من الحسن من وجه ، أن يكون أخص منه مطلقا ، حتى يدخل الصحيح في الحسن . انتهى .

وبيان كونه وجيها فيما يظهر : أنهما يجتمعان فيما إذا كان الصحيح لغيره ، والحسن لذاته ، ويفترقان في الصحيح لذاته ، والحسن لغيره ، ويعبر عنه بالمباينة الجزئية .

ثم رجع شيخنا ، فقال : والحق أنهما متباينان ; لأنهما قسيمان في الأحكام ، فلا يصدق أحدهما على الآخر ألبتة .

قلت : ويتأيد التباين بأنهما وإن اشتركا في الضبط ، فحقيقته في أحدهما غير [ ص: 88 ] الأخرى ; [ لما تقرر في المشكك من اختلاف أفراده ، وأن من أقسامه كون معنى الشيء في بعض أفراده أشد من الآخر ، وتمثيل ذلك ببياض الثلج والعاج على ما بسط في محاله ] .

وهو مثل من جعل المباح من جنس الواجب لكون كل منهما مأذونا فيه ، وغفل من فصل المباح ، وهو عدم الذم لتاركه ، فإن من جعل الحسن من جنس الصحيح للاجتماع في القبول - غفل عن فصل الحسن ، وهو قصور ضبط راويه .

على أنه نقل عن شيخنا - مما لم يصح عندي - الاعتناء بابن دقيق العيد ; بأنه إنما ذكر أن الصحيح أخص استطرادا وبحثا ، بخلاف مناقشته مع الخطابي ، فهي في أصل الباب ، وما يكون في بابه هو المعتمد ، وليس بظاهر ، بل الكلامان في باب واحد .

التالي السابق


الخدمات العلمية