[ ص: 199 ] قالوا حديثان متناقضان .
21 - . الفطرة والشقاء والسعادة
قالوا : رويتم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم رويتم كل مولود يولد على الفطرة حتى يكون أبواه يهودانه وينصرانه الشقي من شقي في بطن أمه والسعيد من سعد في بطن أمه و و أن النطفة إذا انعقدت بعث الله - عز وجل - إليها ملكا يكتب أجله ورزقه وشقي أو سعيد قالوا : وهذا تناقض واختلاف ، فرق بين المسلمين ، واحتج به أهل القدر وأهل الإثبات . أنه مسح على ظهر آدم فقبض قبضة فقال إلى الجنة برحمتي وقبض أخرى فقال إلى النار ولا أبالي
قال أبو محمد : ونحن نقول إنه ليس هاهنا تناقض ولا اختلاف بنعمة الله تعالى . [ ص: 200 ] ولو عرفت المعتزلة ما معناه ما فارقت المثبتة إن لم يكن الاختلاف إلا لهذا الحديث ، والفطرة هاهنا الابتداء والإنشاء ، ومنه قوله تعالى الحمد لله فاطر السماوات والأرض أي مبتدئهما وكذلك قوله فطرة الله التي فطر الناس عليها يريد جبلته التي جبل الناس عليها .
وأراد بقوله : أخذ الميثاق الذي أخذه عليهم في أصلاب آبائهم كل مولود يولد على الفطرة وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى فلست واجدا أحدا إلا وهو مقر بأن له صانعا ومدبرا وإن سماه بغير اسمه أو عبد شيئا دونه ليقربه منه عند نفسه ، أو وصفه بغير صفته أو أضاف إليه ما تعالى عنه علوا كبيرا قال الله تعالى : ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فكل مولود في العالم على ذلك العهد والإقرار ، وهي الحنيفية التي وقعت في أول الخلق وجرت في فطر العقول .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول الله تبارك وتعالى : إني خلقت عبادي جميعا حنفاء فاجتالتهم الشياطين عن دينهم ، ثم يهود اليهود أبناءهم ، ويمجس المجوس أبناءهم ، أي يعلمونهم ذلك .
[ ص: 201 ] وليس الإقرار الأول مما يقع به حكم أو عليه ثواب ، ألا ترى أن الطفل من أطفال المشركين ما كان بين أبويه فهو محكوم عليه بدينهما لا يصلى عليه إن مات .
ثم يخرج عن كنفهما إلى مالك من المسلمين فيحكم عليه بدين مالكه ، ويصلى عليه إن مات ، ومن وراء ذلك علم الله تعالى فيه .
وفرق ما بين أهل القدر وأهل الإثبات في هذا الحديث ؛ أن الفطرة عند أهل القدر الإسلام ، فتناقض عندهم الحديثان ، والفطرة عند أهل الإثبات العهد الذي أخذه عليهم حين فطروا فاتفق الحديثان ، ولم يختلفا وصار لكل واحد منهما موضع .