[ ص: 274 ] قالوا حديثان متدافعان متناقضان .
43 - . تكرار الاعتراف بالزنا
قالوا : رويتم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يرجم ماعزا حتى أقر عنده بالزنا أربع مرات ، كل ذلك يعرض عنه ثم رجمه في الرابعة فأخذ بهذا قوم من فقهائكم وقالوا : لا نرجم حتى يكون إقراره في عدد الشهود عليه ، وبذلك كان يقول - رضي الله عنه - . علي بن أبي طالب
ثم رويتم : أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها [ ص: 275 ] فاعترفت فرجمها ، ولم يقل أحد إنه قال أربع مرات في مجلس ولا في مجالس . وهذا مخالف لحديث أن رجلين تقدما إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما : إن ابني كان عسيفا على هذا ، وأنه زنى بامرأته ، فافتديت منه بمائة شاة وخادم ، ثم إنا سألنا رجالا من أهل العلم فقالوا : على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وعلى امرأة هذا الرجم . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله ، المائة شاة والخادم رد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، وعلى امرأة هذا الرجم . فقضى بينهما بذلك ، وقال : اغد يا ماعز .
قال أبو محمد : ونحن نقول : إنه ليس هاهنا - بحمد الله تعالى - اختلاف ولا تناقض لأن إعراض النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ماعز أربع مرات إنما كان كراهية منه ، لإقراره على نفسه بالزنا وهتكه ستر الله تعالى عليه ، لا لأنه أراد أن يقر عنده أربع مرات ، وأراد أيضا أن يستبرئ أمره ويعلم أصحيح هو أم به جنة ؟ فوافق ما أراد من استبرائه أربع مرات ، ولو وافق ذلك مرتين أو ثلاثا أو خمسا أو ستا ما كان فيه بينة تلزم .
ويدل على كراهته لإقرار الزاني عنده بالزنا رواية مالك عن في رجل اعترف بالزنا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمر به فجلد ثم قال : زيد بن أسلم - . يا أيها الناس ، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله تعالى ، فمن أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله - عز وجل - فإنه من أبدى لنا صفحته ، نقم عليه كتاب الله - عز وجل
ويدل على أن الاعتراف قد يكون أكثر من الأربع وأقل ، إذا زالت الشبهة في أمر المقر ، حديث عن يحيى بن سعيد عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير أبي قلابة عن أبي المهلب عن قال : عمران بن حصين ولم يذكر في هذا الحديث أنها اعترفت أربع مرات . كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتته امرأة من جهينة وهي حامل من زنا ، فقالت : يا رسول الله ، إني أصبت حدا فأقمه علي ، فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - وليها فأمره أن يحسن إليها فإذا وضعت حملها [ ص: 276 ] أتاه بها ، فأتاه بها وقد وضعت فأمرها أن ترضع ولدها فإذا فطمته أتته ، ففعلت فأتاه بها . فأمر بها فشق عليها ثيابها ثم رجمت ، ثم صلى عليها
وهذا شاهد للحديث الذي ذكر فيه أنه قال : أنيس على امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها ومن الدليل أيضا : أن اغد يا ماعز بن مالك لما رجم ، جزع ففر ، فرجموه وأعلموا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جزعه ، فقال : هلا رددتموه حتى أنظر في أمره ولو كان إقراره أربع مرات هو الذي ألزمه الحد لما كان لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - " هلا رددتموه " معنى ، لأنه قد أمضى فيه حكم الله تعالى ، ولا يجوز بعد إقراره أربع مرات أن يقبل منه رجوعه إن رجع . وإذا كان الإقرار بغير توقيت ، جاز له أن يرجع متى شاء ، وأن يقبل ذلك منه .