[ ص: 271 ] بيان نسخ الأفضلية بالإسفار
أخبرنا أبو المحاسن محمد بن عبد الخالق بن أبي نصر الأنصاري ، أخبرنا في كتابه ، حدثنا أبو المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الفقيه أحمد بن محمد البلخي ، أخبرنا أحمد بن محمد البستي ، أخبرنا محمد بن بكر بن محمد ، أخبرنا سليمان بن الأشعث ، حدثنا محمد بن سلمة المرادي ، حدثنا ابن وهب ، عن أن أسامة بن زيد الليثي ، أخبره ، عن ابن شهاب عروة ، عن بشير بن أبي مسعود ، عن أبيه ، قال : . صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح مرة بغلس ، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها ، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات بعد أن كان يسفر
هذا طرف من حديث طويل في شرح الأوقات ، وهو حديث ثابت مخرج في الصحيح بدون هذه الزيادة ، وهذا إسناد رواته عن آخره ثقات ، والزيادة عن الثقة مقبولة .
[ ص: 272 ] ( وقد ذهب أكثر أهل العلم ) إلى هذا الحديث ، ورأوا التغليس أفضل ، روينا ذلك عن الخلفاء الراشدين : أبي بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وعن ابن مسعود ، وأبي موسى الأشعري ، وأبي مسعود الأنصاري ، وعبد الله بن الزبير ، وعائشة ، . وأم سلمة
ومن التابعين : عمر بن عبد العزيز ، وإليه ذهب وعروة بن الزبير ، مالك ، وأهل الحجاز ، وأصحابه ، والشافعي وأحمد وإسحاق ، غير أن رجح أحاديث التغليس من وجه آخر ، قال : أخبرنا الشافعي عن ابن عيينة ، عن الزهري ، عروة ، عن عائشة قالت : . كن نساء من المؤمنات يصلين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصبح ، ثم ينصرفن وهن متلفعات بمروطهن ما يعرفهن أحد من الغلس
[ ص: 273 ] قال : وذكر تغليس النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفجر : الشافعي سهل بن سعد ، وغيرهما من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شبيها بمعنى حديث وزيد بن ثابت ، عائشة .
قال : فقال لي قائل : فنحن نرى أن نسفر بالفجر اعتمادا على حديث الشافعي فنزعم أن الفضل في ذلك ، وأنت ترى أن جائزا لنا إذا اختلف الحديثان أن نأخذ بأحدهما ، ونحن نعد هذا مخالفا لحديث رافع بن خديج ، عائشة .
قلت له : إن كان مخالفا لحديث عائشة كان الذي يلزمنا وإياك أن نصير إلى حديث عائشة دونه ؛ لأن الأصل ما نبني نحن وأنت عليه ، إن الأحاديث إذا اختلفت لم نذهب إلى واحد منها دون غيره إلا بسبب يدل على أن الذي ذهبنا إليه أقوى من الذي تركناه ، قال : وما ذلك السبب ؟ قلت : أن يكون أحد الحديثين أشبه بكتاب الله ، فإذا أشبه كتاب الله كان فيه الحجة . قال : هكذا نقول ؟ قلت : فإن لم يكن فيه نص كتاب كان أولاهما بناء الأثبت منهما ، وذلك أن يكون من رواه أعرف إسنادا ، وأشهر بالعلم ، وأحفظ له ، أو يكون روى الحديث الذي ذهبنا إليه من وجهين أو أكثر ، والذي تركنا من وجه ، فيكون الأكثر أولى بالحفظ من الأقل : أو يكون الذي ذهبنا إليه أشبه بمعنى كتاب الله ، أو أشبه بما سواها من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أو أولى بما يعرف أهل العلم ، أو أوضح في القياس ، والذي عليه الأكثر من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
قال : وهكذا نقول ، ويقول أهل العلم . قلت : فحديث عائشة أشبه [ ص: 274 ] بكتاب الله تعالى ؛ لأن الله تعالى يقول : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فإذا دخل الوقت فأولى المصلين بالمحافظة المقدم للصلاة ، وهو أيضا أشهر رجالا بالفقه وأحفظ ، ومع حديث عائشة ثلاثة كلهم يروون عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مثل معنى حديث عائشة : زيد بن ثابت ، وهذا أشبه بسنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حديث وسهل بن سعد ، . رافع بن خديج
قال : ، والعفو لا يحتمل إلا معنيين : عفوا عن تقصير ، أو توسعة ، والتوسعة يشبه أن يكون الفضل في غيرها إذا لم يؤمر بترك ذلك الذي وسع في خلافه . فأي سنن ؟ قلت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أول الوقت رضوان الله ، وآخره عفو الله ، وهو لا يؤثر على رضوان الله شيئا
قال : وما تريد بهذا ؟ قلت : إذا لم يؤمر بترك الوقت الأول وكان جائزا أن يصلي فيه غيره قبله فالفضل في التقديم والتأخير تقصير توسع فيه .
وقد أبان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل ما قلنا ، وسئل : . وهو لا يدع موضع الفضل ولا يأمر الناس إلا به ، وهو الذي لا يجهله عالم . إن أي الأعمال أفضل ؟ فقال : الصلاة في أول وقتها لما يعرض للآدميين من الأشغال والنسيان والعلل ، وهذا أشبه بمعنى كتاب الله ؟ قال : وأين هو من كتاب الله ؟ قلت : قال الله تعالى : تقديم الصلاة في أول وقتها أولى بالفضل حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى فمن قدم الصلاة في أول وقتها كان أولى بالمحافظة عليها ممن أخرها عن أول وقتها .
وقد رأينا الناس فيما وجب عليهم وفيما تطوعوا به يؤمرون بتعجيله إذا [ ص: 275 ] أمكن لما يعرض للآدميين من الأشغال والنسيان والعلل التي لا تجهلها العقول .
وقال : فقال : ( أتعد ) خبر الشافعي رافع يخالف خبر عائشة ؟ فقلت له : لا . فقال : فبأي وجه يوافقه ؟ فقلت : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما حض الناس على تقديم الصلاة ، وأخبر بالفضل فيها احتمل أن يكون من الراغبين من يقدمها قبل الفجر الآخر فقال - يعني - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يعني : حين يتبين الفجر الآخر معترضا . أسفروا بالفجر