الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( ولا عشر في الخارج من أرض الخراج ) وقال الشافعي رحمه الله : يجمع بينهما لأنهما حقان مختلفان وجبا في محلين بسببين مختلفين فلا يتنافيان ولنا : قوله عليه الصلاة والسلام : { لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم }. [ ص: 323 - 325 ] ولأن أحدا من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما وكفى بإجماعهم حجة ، ولأن الخراج يجب في أرض فتحت عنوة وقهرا . والعشر في أرض أسلم أهلها طوعا ، والوصفان لا يجتمعان في أرض واحدة وسبب الحقين واحد وهو الأرض النامية إلا أنه يعتبر في العشر تحقيقا وفي الخراج تقديرا ، ولهذا يضافان إلى الأرض ، وعلى هذا الخلاف الزكاة مع أحدهما . .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث : قال عليه السلام : { لا يجتمع عشر وخراج في أرض مسلم }; قلت : رواه ابن عدي في " الكامل " عن يحيى بن عنبسة ثنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا يجتمع على مسلم خراج وعشر }انتهى . قال ابن عدي : يحيى بن عنبسة منكر الحديث ، وإنما يروى هذا من قول إبراهيم ، وقد رواه أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم ، قوله : فجاء [ ص: 323 ] يحيى بن عنبسة ، فأبطل فيه ، ووصله إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويحيى بن عنبسة مكشوف الأمر في ضعفه ، لرواياته عن الثقات الموضوعات انتهى .

                                                                                                        وقال ابن حبان : ليس هذا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحيى بن عنبسة دجال يضع الحديث ، لا تحل الرواية عنه انتهى .

                                                                                                        وقال الدارقطني : يحيى هذا دجال يضع الحديث ، وهو كذب على أبي حنيفة ، ومن بعده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره ابن الجوزي في " الموضوعات " ، وقال البيهقي : هو حديث باطل ، ويحيى هذا متهم بالوضع .

                                                                                                        الآثار : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه في أواخر الزكاة " حدثنا إبراهيم بن المغيرة ختن لعبد الله بن المبارك عن أبي حمزة السكوني عن الشعبي ، قال : لا يجتمع عشر ، وخراج في أرض انتهى حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح عن أبي المنيب عن عكرمة ، قال : لا يجتمع عشر وخراج في مال انتهى .

                                                                                                        فائدة : قال الإمام أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال " الأراضي العشرية هي التي ليست بأرض خراج ، وهي أربعة أنواع : أحدها : أرض أسلم أهلها عليها ، فهم مالكون لها كالمدينة والطائف ، واليمن ، والبحرين ، وكذلك مكة ، إلا أنها كانت فتحت عنوة ، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم من عليهم ، فلم يعرض لهم في أنفسهم ، ولم يغنم أموالهم ، قال : وحدثت عن محمد بن سلمة الحراني عن أبي عبد الرحيم عن زيد بن أبي أنيسة عن أبي الزبير عن عبيد بن عمير { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مكة : لا تحل غنيمتها }. والنوع الثاني : كل أرض أخذت عنوة ، ثم إن الإمام لم ير أن يجعلها فيئا موقوفا ، ولكنه رأى أن يجعلها غنيمة فخمسها ، وقسم أربعة أخماسها بين الذين افتتحوها خاصة ، كفعل رسول الله صلى الله عليه وسلمبخيبر ، فهي أيضا ملكهم ، ليس فيها غير العشر ، وكذلك الثغور كلها إذا قسمت بين الذين افتتحوها خاصة ، وعزل عنها الخمس لمن سمى الله . والنوع الثالث : كل أرض عادية لا رب لها ، ولا عامر ، أقطعها الإمام رجلا إقطاعا من جزيرة العرب أو غيرها ، كفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده ، فيما أقطعوا من بلاد اليمن ، واليمامة ، والبصرة ، وما أشبهها . [ ص: 324 ] والنوع الرابع : كل أرض ميتة استخرجها رجل من المسلمين ، فأحياها بالنبات والماء . فهذه الأرضون التي جاءت فيها السنة بالعشر ، أو نصف العشر ، وكلها موجودة في الأحاديث ، فما أخرج الله من هذه فهو صدقة ; إذا بلغ خمسة أوسق فصاعدا ، كزكاة الماشية ، والصامت يوضع في الأصناف الثمانية المذكورة في " سورة براءة " خاصة دون غيرهم من الناس ، وما سوى هذه من البلاد ، فلا تخلو من أن تكون أرض عنوة صيرت فيئا كأرض السواد ، والجبال ، والأهواز ، وفارس ، وكرمان ، وأصبهان ، والري ، وأرض الشام ، سوى مدنها ، ومصر ، والمغرب ; أو يكون أرض صلح ، مثل : نجران ، وأيلة ، وأذرح ، ودومة الجندل ، وفدك ، وما أشبهها ، مما صالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صلحا ، أو فعلته الأئمة بعده ، وكبلاد الجزيرة ، وبعض أرمينية ، وكثير من كور خراسان ، فهذان النوعان من الأرضين ، الصلح ، والعنوة التي تصير فيئا يكونان عاما للناس في الأعطية ، وأرزاق الذرية ، وما ينوب الإمام من أمور المسلمين انتهى كلامه

                                                                                                        . وقال في موضع آخر : الأرض المفتتحة ثلاثة أنواع : أحدها الأراضي التي أسلم عليها أهلها فهي لهم ملك ، وهي أرض عشر لا شيء عليهم غيره ، وأرض افتتحت صلحا على خراج معلوم ، فهم على ما صولحوا عليه ، لا يلزمهم أكثر منه ، وأرض أخذت عنوة فهي مما اختلف فيها ، فقيل : سبيلها سبيل الغنيمة ، تخمس ، وتقسم ، فيكون أربعة أخماسها بين الغانمين ، والخمس الباقي لمن سمى الله تعالى ; وقيل : النظر فيها للإمام إن شاء جعلها غنيمة ، فيخمسها ويقسمها ، وإن شاء جعلها موقوفة على المسلمين ما بقوا ، كما فعل عمر بالسواد انتهى كلامه محررا . أحاديث الخصوم : استدل ابن الجوزي في " التحقيق " للشافعي في الجمع بين العشر ، والخراج بعموم الحديث عن ابن عمر عن { رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سن فيما سقت السماء والعيون ، أو كان عثريا العشر ، وفيما سقي بالنضح نصف العشر } ، انفرد به البخاري ، قال : وهذا عام في الأرض الخراجية ، وغيرها ، قال ابن قتيبة : العثري الذي [ ص: 325 ] يؤتى بماء المطر إليه حتى يسقيه ، وإنما سمي عثريا ، لأنهم يجعلون في مجرى السيل عاثورا ، فإذا صدمه الماء زاد ، فدخل في تلك المجاري حتى يبل النخل ويسقيه انتهى كلامه . واستدل الشيخ تقي الدين في " الإمام " للشافعي بما أخرجه البيهقي عن يحيى بن آدم ثنا سفيان بن سعيد عن عمرو بن ميمون بن مهران ، قال : سألت عمر بن عبد العزيز عن المسلم يكون في يده أرض الخراج ، فيسأل الزكاة ، فيقول : إنما على الخراج ، فقال : الخراج على الأرض ، والعشر على الحب ; وأخرج أيضا عن يحيى ثنا ابن المبارك عن { يونس ، قال : سألت الزهري عن زكاة الأرض التي عليها الجزية ، فقال : لم يزل المسلمون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده يعاملون على الأرض ، ويستكرونها ، ويؤدون الزكاة مما خرج منها ، فنرى هذه الأرض على نحو ذلك }انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ : الأول فتوى عمر بن عبد العزيز ، والثاني فيه إرسال عن النبي صلى الله عليه وسلم انتهى . ذكره في " الزكاة " .

                                                                                                        قوله : ولأن أحدا من أئمة العدل والجور لم يجمع بينهما ، وكفى بإجماعهم حجة . .




                                                                                                        الخدمات العلمية